27 أكتوبر 2025
تسجيلتصدمنا صفحات قضايا المحاكمات التي تنشرها صحفنا المحلية خاصة هذه الايام بنماذج لمسؤولين ارتكبوا جرائم اختلاس وسرقات وخيانة للأمانة من مواقعهم التي أؤتمنوا عليها ممن أنيط بهم صيانة الأمانة، وحكم فيها القضاء ضدهم وعرضوا شخصيا في المحاكم، هؤلاء المسؤولون هم عرضة للمساءلة وعليهم أن يقدموا تبريرا أو تفسيرا لهذا الفعل وليس أحد سواهم، من هنا لا بد للمسؤول أن يكون هو الجدير باللوم متى ما كان هناك خلل أو فشل في المؤسسة أو الإدارة التي يتحمل مسؤوليتها أمام الله وأمام القانون باضاعته الأمانة. مسؤول في مؤسسة يقبض رشاوى لتمرير صفقة غير قانونية بين يديه لتحقيق مكاسب مادية شخصية، هذا المسؤول الوحيد الذي تلقى عليه باللائمة إذا ما حدثت مشكلة في أداء المهام، وحتى لو كانت المشكلة قد حدثت على يد موظف صغير فإن المدير العام هو المسؤول الأول أمام الناس، أما الموظف الصغير فهو مسؤول أمام المدير العام ولا علاقة للناس به، هكذا هي طبيعة المسؤولية العامة والنظام البيروقراطي الذي تظهر فيه. على المدير العام أن يختار الموظفين الأكفاء الذين بدورهم يختارون موظفين أكفاء.. وهكذا. وهي سلسلة هرمية في النهاية ورأس الهرم هو المسؤول الأول عن قاعدته، وأما الأمانة فهي قلب الأخلاق البيروقراطية. وإذا فسد القلب فسد كل شيء، والأمانة تتنافى مع السرقة والاختلاس والواسطة والنفاق الاجتماعي، فإذا اختلس الموظف أو جعل الدائرة الحكومية محلا له ولأهله وأصدقائه فقد صار عرضة للوم. أرسطو سئل عن الحرية فقال إن الفضيلة تتطلب الحرية، حرية الإرادة وحرية السلوك وهناك دائما -حسب أرسطو- نوعان من معوقات حرية الإرادة: 1 — الجهل: سواء كان جهلا بماهية الفعل أو بعواقبه، 2 — غياب الحرية. ويرى النقاد أن تصور أرسطو هذا مشابه لمفهوم /التكليف/ في الفقه الإسلامي، لذلك حين نقول بأن /الحرية هي أم الفضائل/ فهذا يعني أن الفضيلة التي يجبر عليها الفرد هي بلا أدنى قيمة، لأنه لا يكون حينها فاعلا عقلانيا وإنما مجبر /بلا حرية إرادة/ على فعل الفضيلة. في مجتمعاتنا تنحصر المسؤولية الأخلاقية ضمن ثلاثة مستويات: أولا مسؤولية الفرد تجاه ضميره في إطار الخير والفضيلة التي يؤمن بها، المستوى الثاني هو أمام قيم العائلة، أي أمام المنظومة الأخلاقية للمجتمع، والمستوى الثالث هو مستوى قيم المجتمع، فغياب الحرية يصنع مجتمعا لم يتعلم أفراده كيف يكونون فاعلين عقلانيين في السياق الاجتماعي. وعودة إلى صلب موضوعنا عن الاختلاسات التي تنشر على صحفنا المحلية هذه الايام، فان منها ما يعد سرقة حسب القضاء ومنها ما يعتبر خيانة أمانة، وكلا الجريمتين تشتركان في عنصر الاعتداء على حيازة الملكية الخاصة ولكنهما تختلفان في ركن أساسي وجوهري وهو أن الجاني في جريمة السرقة يحرك المنقول من حيازة شخص اخر دون رضا بنية أخذه بسوء قصد. أما في جريمة خيانة الأمانة فالمال موجود تحت يد الشخص على سبيل الأمانة بمقتضى عقد أو اتفاق أو قانون ثم يمتلكه الجاني أو يحوله إلى منفعته الخاصة. في ختام مقالي أطرح تساؤلا من القلب وعلينا ان نجيب عليه: هل أصبحت هذه القيم قيما إنسانية مشتركة؟ هل يعني أنه لا يوجد من لا يؤمن بأنها قيم خير وحق وفضيلة؟ وحين نعترف أن المنظومة الأخلاقية في المجتمع تعني ذلك فهل نعتقد بأنها تمثل الفضيلة. وسلامتكم.