28 أكتوبر 2025
تسجيلغرس قيم العمل التطوعي في نفوس الأطفال والناشئة ضرورة لمواجهة الكوارث مع كل كارثة تحلّ بديار المسلمين تستحضر الذاكرة أهمية غرس قيم العمل التطوعي في نفوس الأطفال والناشئة، والتي تمنحهم من نعومة الأظفار الاهتمام ببيئتهم ومجتمعهم والتفاعل مع قضايا أمتهم، والمساهمة في التخفيف من معاناتها الإنسانية. السبب في ذلك أن نسبة كبيرة من المتضررين من الكوارث والنكبات يكونون في العادة من الأطفال، مما يجعل التعاطف معهم أكبر من جهة أقرانهم بحكم السن الواحدة أو التقارب العمري، كما أن هذه الكارثة تشكّل ميدانا للانخراط العملي والالتصاق الفعلي بها فورا بحكم الحاجة التي تستدعي ذلك والتأثر المرتبط بحجم تسليط الضوء عليها إعلاميا. أعجبتني مبادرة قام بها طلاب مدرسة مريخ الابتدائية المستقلة قبل عدة أشهر من خلال نادي ( المتطوعون الصغار) وتمثلت بالتبرع لترميم مدرسة في باكستان تعرضت للفيضانات التي وقعت في نفس هذا الشهر من السنة الفائتة بالتعاون مع جمعية قطر الخيرية، حيث لم يكتف الأطفال بتقديم التبرع المادي الذي بلغت قيمته 84.000 ريال فقط، بل كتبوا رسائل إلى أصدقائهم في باكستان وألفوا قصصا رائعة تحكي المأساة التي عاشها الطلاب الباكستانيون إثر السيول والفيضانات، كما رسموا مدرسة أصدقائهم في باكستان وكيف ستكون بعد مساعدتهم وتقديمهم يد العون لهم، بالإضافة إلى تقديمهم لمحاضرات مختلفة على مستوى المدارس والمؤسسات والجهات الرسمية والخاصة لحث أقرانهم على القيام بمبادرات مماثلة، وبالتالي فقد كانت أبرز مخرجات المبادرة إعادة ترميم مدرسة في باكستان على يد أطفال تسلحوا بالقيم الإنسانية و التربوية العالية. في كارثة المجاعة الحالية التي وضعت حوالي 4 ملايين صومالي وأكثر من 12 مليون شخص من القرن الإفريقي في دائرة الخطر، يبدو أن الموت يضع الأطفال في صدارة الضحايا، إذ يهدد عشرة بالمائة منهم في الصومال، وتشير الإحصاءات إلى أن (29000 ) طفل صومالي ماتوا فعليا بسبب الجوع خلال الأشهر الثلاثة الماضية، وهو ما يصلح أن يكون مدخلا مناسبا للتربية القيمية في المجال التطوعي من زوايا مختلفة. يمكن أن نلج الموضوع من بوابة الماء على سبيل المثال لا الحصر.. لنبين أنه عندما انحبس قطر السماء أدى ذلك إلى القضاء على المحاصيل الزراعية، وموت الماشية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية، بحيث لم يعد بمقدور الناس هناك خصوصا الفقراء منهم شراؤها، وأن النعمة التي حبانا الله بها حيث يكون الماء في متناول يدنا للشرب وللغسيل والاستحمام تستوجب الشكر، والشكر يكون بالمحافظة عليها وعدم الإسراف أثناء استخدامنا لها، كما يكون أيضا بالتصدق بالماء.. وذلك بتوفير عبوات الماء وتنكات المياه لمن حرموا خصوصا عند وقوع الكوارث، وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ( أفضل الصدقة سقي الماء). كما يمكن التصدق بحفر الآبار وتوفير الخزانات اللازمة لتجميع مياهها وشبكات توزيعها، لكي يشرب منها البشر والدواب، وتُسقى المحاصيل الزراعية منها، وكذلك التصدق ببرادات الماء للأماكن الحارة. وكم هو جميل أن يتاح للأطفال التفكير بإقامة مشاريع لزملائهم في الصومال كبناء بئر في قرية تهدى باسم مدرسة ما ويتم جمع التبرعات لها مع بداية الفصل الدراسي القادم بالتعاون مع إدارات مدارسهم وأولياء أمورهم. ويمكن أن يدعم المدخل التطبيقي بالمدخل النظري من خلال القصص المؤثرة سواء التراثية أو المعاصرة، وتقديم نماذج من الذين وفقهم الله لعمل الخير والإسهام في المشي في حاجات الناس حتى خلّد التاريخ أسماءهم، ويمكن أن تكون هذه القصص مطبوعة أو تحول إلى أعمال درامية أو أفلام كرتونية مؤثرة. ونحن في مجال الماء ومشاريع الخير المرتبطة به فلا بأس أن نذكّر ببعض هذه القصص والنماذج الفريدة التي يكون في ذكرها حفز للأطفال للتأسي، ومن ذلك قصة الرجل الذي سقى كلبا عطشانا بعد أن نزل البئر خصيصا له وتجشم عناء حمل الماء له في خفّه، فشكر الله صنيعه فغفر له، لأنه " في كل ذات كبد رطبة أجر" كما علمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، فما بالكم بأجر سقيا الإنسان وإنقاذ حياته من الموت كما في الصومال وغيرها؟ فلاشك أن الأجر أعظم وأكبر. ومن النماذج التي كان لها بصمة في هذا المجال هي زبيدة زوجة هارون الرشيد التي أنشأت مشروعا عرف باسمها " عيون زبيدة" لتخفف على المسافرين للحج من بغداد لمكة عناء ندرة الماء فقامت بحفر عشرين عينا (بئرا)، وعند التنفيذ اكتشف القائمون على المشروع مشكلة تواجههم، إذ كيف سيربط العيون بعضها ببعض، فقاموا بعمل المجاري حتى يجري الماء من عين إلى أخرى، وكل عين لها مجرى من الماء على اليمين واليسار، وبذلك اتصلت كل العيون، بمجرى مائي من بغداد إلى مكة المكرمة، وكانت بذلك صاحبة أول مشروع مائي في التاريخ ولا تزال آثاره باقية.