10 سبتمبر 2025
تسجيلفي بدايات شهر يونيو، وقبل أسابيع قليلة من انطلاق أعمال «القمة العالمية للذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام»، التي عقدها الاتحاد الدولي للاتصالات مؤخراً في جنيف، بمشاركة 40 شريكاً للأمم المتحدة، و3 آلاف متحدث ومشارك، و100 ألف مجتمع رقمي، من 183 دولة، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من «دور الذكاء الاصطناعي في نشر المعلومات المضللة». جاءت هذه التحذيرات، عقب استطلاع للرأي أجرته المنظمة في 142 دولة، وأظهر أن 59 % من مستخدمي الإنترنت قلقون من كمية المعلومات الخاطئة المنشورة عبر الإنترنت. وأشار 83 % من المستطلعين إلى أن المعلومات المضللة كان لها تأثير مهمّ جدًا على نتائج الانتخابات في بلادهم، وهذا يعني أن المرشحين الذين فازوا وأصبحوا مسؤولين وصناع قرار، جاءوا على كراسيهم بمعلومات كاذبة. وفي تصريح لافت، قال أنطونيو إن مصممي تقنيات الذكاء الاصطناعي أنفسهم، يصفون الذكاء الاصطناعي بأنه «خطر وجودي يهدد البشرية يضاهي خطورة الحرب النووية»، مضيفاً «هذه التكنولوجيا هي مصدر خوف لا أمل». وحمّل أنطونيو مسؤولية انتشار الأخبار المضللة إلى بعض شركات التكنولوجيا التي تتقاعس عن منع ذلك، وتُسهم في نشر العنف والكراهية في المجتمعات. ولحلّ هذه المسألة، اقترح الخبراء الأمميون إطلاق مدونة لقواعد السلوك من أجل سلامة المعلومات على المنصات الرقمية، على أن تتضمن هذه المدّونة في أحد بنودها، توفير «الحكومات بيئة إعلامية حُرة، تعددية، مستقلة، وقابلة للتطبيق، مع توفير حماية قوية للصحفيين»، وذلك انطلاقاً من دور الصحفيين في نشر الحقيقة. مع الإشارة هنا إلى أن الصحفيين ليسوا جميعًا بملائكة، وأن «النفس أمّارة بالسوء» في كلّ المهن، ولا سيّما في وسائل الإعلام التي تعتمد أجندات سياسية، وتلك الممولة من الأنظمة الأيديولوجية، والشمولية، أو تلك المملوكة إلى رجال الأعمال، المستفيدين من الأنظمة السياسية القائمة. وفي ظلّ هذه التهديدات، ستجد الحكومات نفسها بين خيارين: الأول هو مواجهة الأخبار المضللة بوضع القوانين والتشريعات التي تُعاقب فيها مرتكبي الجرائم الإلكترونية، مع اعتماد حدّ معين من الشفافية في مصارحة الرأي العالم بالحقيقة وعدم الاستخفاف بعقلية الجمهور، وبناء علاقة جيدة مع المؤسسات الإعلامية، وإعطاء الثقة للعاملين في مجال وسائل الإعلام. والخيار الثاني، هو مواصلة حجب المنصات الرقمية غير الموثوقة، وتضييق الخناق على ما يُسمى بصحافة المواطن وغيرها من الممارسات القمعية، والاعتماد على وكالات العلاقات العامة، التي تشفط أموال الحكومات بلا كلل، وتبتزها في العديد من المواقف، لتلميع صورتها أمام الرأي العام العالمي. المستقبل سيتطلب عقد هدنة طويلة الأمد بين الصحفيين والحكومات ولا سيّما في الأنظمة العربية، ومراجعة قوانين الإعلام، وتوفير وسائل متطورة للصحفيين، وذلك في مواجهة ما سيأتي به الذكاء الاصطناعي من معلومات مضللة ستقلب الموازين على كافة المستويات. أما على مستوى الأفراد، فلا أجد أفضل ممّا ورد في كتاب الله عزّ وجلّ لكي يحمل الإنسان أمانة عدم تداول المعلومات المضللة بقوله تعالى «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ»، وعلى المستوى الاجتماعي، النصيحة الأمثل في قوله تعالى (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ).. فهل سنتمكّن من بناء العقلية الاجتماعية القادرة على كشف النبأ الكاذب، والتمييز بين الفاسق مدفوع الأجر وبين من يكتب الحقائق؟.