18 سبتمبر 2025
تسجيلكشفت بيانات نشرتها وكالة الأنباء القطرية مؤخرًا عن أن عدد الأشخاص الذين يعيشون داخل دولة قطر بلغ 2.656 مليون شخص في نهاية يونيو 2023، وهو ما يظهر حدوث انخفاض شهري بنسبة 11.5٪ في عدد سكان البلاد مقارنة بالأرقام المسجلة خلال شهر مايو 2023 وحدوث انخفاض سنوي بنسبة 0.05٪ مقارنةً بالأرقام المسجلة خلال شهر يونيو 2022. وتعكس هذه البيانات رغبة العديد من السكان القطريين والوافدين في قضاء الإجازة الصيفية في الخارج، ولهذا التقلب الموسمي في عدد السكان تأثير على الاقتصاد، لا سيَّما على الشركات الصغيرة والمتوسطة، فعلى سبيل المثال، لوحظ زيادة عدد المحالّ التجارية الشاغرة، وهو ما يثير أسئلة أوسع حول كيفية تشجيع الزيادة السكانية والحفاظ عليها. نظريا، يبدو أن نمو عدد السكان يدعم النمو الاقتصادي. ومن الناحية العملية، لا يتسم الأمر بهذه البساطة، حيث أن هناك أنواع معينة من العوامل الديموغرافية في النمو السكاني تكون مواتية للتنمية الاقتصادية بشكلٍ أكبر من غيرها. وفي بعض الظروف، قد لا يؤدي ارتفاع عدد السكان إلى حدوث أي نمو على الإطلاق. وتطرح الأوراق البحثية نتائج متناقضة حول هذه المسألة، وهو ما يعكس مجموعة معقدة للغاية من العوامل المتغيرة المتفاعلة. وتحاول العديد من الدول، في جميع أنحاء العالم، التعامل مع تبعات انخفاض عدد السكان أو شيخوختهم، أو كليهما معًا، بالإضافة إلى انخفاض معدلات المواليد. وهناك توجه عالمي نحو تقليل حجم الأسر وتوفير مستويات أعلى من التعليم والوظائف المهنية للنساء. وتسعى بعض الدول، مثل كندا وأستراليا، إلى تعويض النقص في عدد السكان عبر استقطاب المهاجرين، ومنح الأولوية لحملة المؤهلات العليا. وتتميز دولة قطر بتاريخ ديموغرافي مختلف، لكنها لا تزال تواجه بعض المسائل السكانية المماثلة. ففي عام 1960، بلغ عدد السكان في قطر أقل من 50,000 نسمة. ولم يصل تعداد السكان إلى مليون نسمة حتى عام 2006 ووصل الى مليونان في عام 2013. وقد وصل عدد السكان الآن إلى حوالي 3 ملايين نسمة، مع وجود توقعات بتضاعف تعداد السكان مرة أخرى خلال العقود القادمة. وهذا الاحتمال ممكن، لكنه قد لا يؤدي إلى حدوث نمو اقتصادي وتحسين مستويات المعيشة للجميع بدون تبني السياسات السكانية المناسبة. وعلاوة على ذلك، يتعرض عدد السكان للانخفاض الموسمي كما أشرنا من قبل. إذًا، ما هو النوع الأمثل للنمو السكاني لدعم التنمية الاقتصادية؟ تشير الأبحاث إلى فائدة ارتفاع عدد السكان ذوي التعليم العالي ورواد الاعمال، إلى جانب تعزيز مشاركة المرأة في القوى العاملة. ومن المرجح أن يساعد هذا المزيج في دعم الجهود الرامية لتطوير الأعمال والوظائف التي تتمتع بقيمة مضافة عالية. ومن المنطقي أيضًا طرح هذا السؤال العكسي: ما هو أفضل نوع من النمو الاقتصادي يمكن أن يدعم النمو السكاني؟ في إطار وضع دولة قطر، يجب أن ينصب التركيز على القطاع الخاص، ولا سيَّما اقتصاد المعرفة. وتُعدُ السمة العمرية المتوازنة من الاعتبارات المهمة في السياسة السكانية. فمع انخفاض معدلات المواليد وزيادة متوسط العمر المتوقع للفرد، هناك خطر يتمثل في انخفاض عدد البالغين في سن العمل بشكل يفوق عدد المتقاعدين ويُصَّعِب من عملية تقديم الدعم اللازم لهم. ولا تفرض دولة قطر ضرائب على الدخل، لكنها تطبق سياسة تلزم المواطنين القطريين في سن العمل بدفع مساهمة لنظام المعاشات التقاعدية الوطني. وقد حددت اللجنة الدائمة للسكان في قطر ستة محاور لضمان تحقيق التوازن الديموغرافي والتنمية الاقتصادية المستدامة. وهناك أربعة أهداف للسياسة تندرج تحت المحور الأول، السكان والقوى العاملة، وهي: زيادة عدد المواطنين، ودعم التوجه نحو اقتصاد المعرفة، والتخلص من العمالة الفائضة عن الحاجة، والعمل على توزيع متوازن للعاملين من مختلف الجنسيات على المهن، والحد من تركز جنسيات معينة في بعض المهن. ولزيادة معدل المواليد، أوصت اللجنة بتخفيض المهور وخفض تكلفة قاعات الأفراح. والاقتراح الأول قد يكون صعب التنفيذ حقًا، لأنه ينطوي على اختيارات شخصية تمامًا داخل الأسرة. وقد أدى الاقتراح الثاني إلى قيام الحكومة ببناء وتوفير قاعات الأفراح بتكلفة مميزة مقارنةً بتكلفة قاعات الأفراح في قطاع الفنادق، بالإضافة إلى توصيات أخرى. ويمر الاقتصاد القطري حاليًا بمرحلة من التكيف بعد فترة شهدت تنفيذ العديد من مشاريع البنية التحتية التي وظفت أعدادًا كبيرةً من العمالة الوافدة ذات الأجور المنخفضة نسبيًا، والتحول نحو اقتصاد يتميز بوجود المزيد من شركات التكنولوجيا الفائقة القادرة على تحقيق النمو وتوظيف العمالة الوافدة المتخصصة. وتطبق دولة قطر برنامج العامل الضيف، الذي يتيح لصاحب العمل بشكل سهل نسبيًا إمكانية تأمين تأشيرة عمل للشخص الذي يتمتع بالمهارات المطلوبة. ويتسم العمال الضيوف من ذوي الدخل المنخفض بانتمائهم إلى مناطق فقيرة وتحويل نسبة كبيرة من دخلهم إلى بلدانهم الأصلية. وعلى النقيض من ذلك، من المرجح أن ينتقل المهنيون من ذوي التعليم العالي إلى قطر مع أسرهم، وهو ما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي بشكل كبير. وتوصي اللجنة الدائمة للسكان في الحد من الاعتماد على العمال القادمين من الخارج، عبر طرح مجموعة من السياسات تشمل إجراء مراجعات دقيقة لمؤهلات العمال الوافدين، وتعقب ممارسات الاتجار بالتأشيرات. وكما أشرنا في مقالات سابقة، بدأ معدل توافر العقارات في قطر في تجاوز معدل النمو السكاني، ولم يقدم دائمًا السيناريو الأمثل؛ وهناك حاجة لطرح المزيد من المنازل العائلية للأسر ذات الدخل المتوسط. وتحتاج بعض مشاريع التطوير العقاري القديمة من التي أنشئت خلال حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى التحديث وتوفير سبل ترشيد الطاقة فيها. وسوف تعود الزيادة السكانية المناسبة بالنفع على الشركات الصغيرة والمتوسطة والاقتصاد، وهو ما يضمن تحقيق المزيد من الاستقرار في النمو الاقتصادي للقطاع الخاص. ومن بين السياسات الإضافية المهمة لدعم هذا النمو ضمان توفير وسائل النقل الجيدة، وتوفير مساكن اقتصادية بأسعار في متناول السكان، وتنفيذ استراتيجيات التخطيط الحضري طويلة الأمد.