13 سبتمبر 2025
تسجيلصراع العقائد خطير وليس فيه منتصر كالنار تأكل بعضها بعضاً. من المفروض أن يكون اتجاه العقيدة إلى أعلى وليس إلى أسفل من المفروض أن تتصل بالمصدر لا أن تحتدم فى الواقع المتعدد. وحيث إنها لا تقبل النقاش فهى بالتالى يجب أن تتماهى في المطلق لا أن تتكدس فى النسبى وهي تفاصيل الحياة. أدرك الغرب ذلك بعد الحروب الدينية التى امتدت لما يزيد على العشرين عاما والتي اتجهت العقيدة عنده بعد ذلك إلى السماء والمطلق وتركت الواقع والنسبى للإدارة المدنية البشرية، ليست القضية قضية فصل الدين عن السياسة كما قد يتصورها البعض بقدر ما هو فهم لطبيعة العقائد، محاولة الزج بالعقيدة كيفما اتفق واعتبارها محور الاتصال البشري الانساني امرا غير سديد وفهما ضيقا للدين. بل ان تحميل الدين ما يجب ان يقوم به المجتمع كتجمع انسانى يطلب السلم والتعايش وضع لا يستقيم وطبيعة الدين والدنيا، نطلب من خطيب الجمعة مثلا أن يقوم بما من المفترض ان تقوم به المجالس المنتخبة من مطالبة بما فيه خير المجتمع ورخائه كما نطلب من عالم الدين أن يتجرد ليخدم الناس بشكل يعفيهم من القيام بدورهم أو بما هو دور المجتمع المدنى اساسا هذا فى حد ذاته تكريس للعقيدة على أرض الواقع استعدادا للتصادم إذا ما أدركنا الاختلاف الطبيعى وتعدد العقائد ذاتها داخل المجتمع الواحد وهروب أيضا من الاستحقاق الحضارى للامة بل إن ذلك يدعو بالتالى الى اخضاع العقائد وادخالها فيما هو نسبى ويتطلب اجتهادا بشريا يماشي العصر. كنت حتى وقت قريب أرى في خطبة الجمعة باعثا لابد منه لحث وتغيير المجتمع، وأدركت بعد ذلك اننا نرتبط بحالة نفسية أو سيكولوجية مع الخطيب أو مع الداعية الشيخ يمتص من خلالها ما نعاني منه من شكوى ونحتاج بعد ذلك إلى جرعات مماثلة كل فترة واخرى بالضبط كالقائد الكاريزمى امام شعبه وجمهوره, مع أنه من المفروض ان يكون ذلك مسؤولية المجتمع المدنى او السلطة المدنية للمجتمع بما يحقق الامن والامان والاستقرار له كتجمع بشرى انساني يقوم على حرمة دم الانسان وكرامته وحريته بمعنى ان تناقص الدور المدنى للمجتمع يزيد من الدور الدينى ورجاله دونما فائدة تذكر لأسباب عدة منها الشخصي ومنها العام المترابط. الخطورة اليوم تتزايد بقدر ما يتزايد انفصال العقيدة عن الواقع الانسانى بل قيامها بديلا عنه من المستحيل ان يختزل المجتمع فى العقيدة, لقد اعتنقت الامبراطورية الرومانية العقيدة المسيحية بعد فترة طويلة وجاء الاسلام للعرب فى شبه الجزيرة وتغلغل بسماحته لا بحديته وانتشر بل ان انتشاره تاريخيا كان كدين «لين» كما يشار أحيانا اكثر من انتشاره كدين «صلب» فالاصل اولا، الذات الانسانية وكرامتها واحترامها لجميع العقائد والاديان. إن محاولة الطعن في عقائد الآخرين وحرق الكتب المقدسة وتشجيع بعض الحكومات التي تدعي الحرية على فعل ذلك من قبل بعض المتطرفين لهو الوجه الساطع للنفاق العالمي الذي يشهده عالم اليوم، ممن يدعي الحرية وحقوق الانسان بينما يتكدس حول عقيدته ويشجع على تسفيه عقائد الاخرين رسمياً من خلال دعمه للمتطرفين تحت ستار حرية الرأي التي يتبجح بها.