13 سبتمبر 2025
تسجيلتعكف دول مجلس التعاون الخليجي على صياغة إستراتيجية للأمن الغذائي سترى النور خلال الأشهر المقبلة، لمواجهة تذبذب الأسعار، ونقص كميات الغذاء عالمياً، والتي باتت تهدد الكثير من المجتمعات خاصة ً في ظل عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في عدد من الدول العربية المنتجة للمحاصيل والحبوب والمصنعة للأغذية. تتضمن الإستراتيجية عناصر أبرزها الخزن الغذائي، وتصنيع الأغذية، وآليات الاستفادة من الرقع الزراعية المتاحة، وترشيد استخدام المياه، وتحقيق الاكتفاء الذاتي في المنطقة العربية في ظل ما تشهده من زيادة سكانية ونمو اقتصادي. وتبين دراسة أعدتها الأمانة العامة لدول التعاون أنها ستهتم بنطاق الأمن الغذائي بصفة عامة، وسوف تتطرق إلى موضوعات ملحة، هي: الاكتفاء الذاتي من خلال المساحات الزراعية المتاحة، والمياه المتوافرة والزراعة في الخارج، وتوفير موانئ تسمح بإقامة مخازن للخزن الاستراتيجي للمواد الغذائية الرئيسة، وإشراك القطاع الخاص والقطاعات الممولة في مشروعات الأمن الغذائي. وكان ملتقى خليجي للشراكة والاستثمار قد اتفق على تشكيل تكتلات لإنشاء مشاريع تعاونية، وإنشاء مخازن إستراتيجية للأغذية ومصانع وصوامع للتخزين، وقد بدأت بالفعل شركات قطرية وإماراتية وعمانية في التوجه لدراسة إمكانية إقامة مشاريع البنية التحتية لمصانع الأغذية، بهدف توفير بيئات عمل جاذبة ومثالية لقطاع الإنتاج، وإقامة مشاريع في سلطنة عمان منها صوامع لتخزين الحبوب ومسالخ للحوم وموانئ للتصدير. وذكرت توصيات الملتقى أنّ حجم الاستثمارات الخارجية لقطر في مجال الأمن الغذائي إلى جانب المملكة العربية السعودية والإمارات كبير جداً، لكونها أكثر الأسواق الخليجية التي تقود المنطقة في مجال الأمن الغذائي من خلال استثمارات تتجاوز الـ"8"مليارات دولار، كما أنّ السوق السعودية من أكثر الأسواق الجاذبة لكبر حجمها، وكونها سوقاً استهلاكية، وتشهد تنمية حقيقية لمشاريع ضخمة في قطاعي العقار والصناعات وكذلك قطر والإمارات. اليوم.. ونحن نعايش أحداث غير عادية على مستوى منطقة الشرق الأوسط، والذي أثر جملة وتفصيلا على الأنظمة الاقتصادية للمنطقة، إضافة ً إلى تأثيرات المناخ المتقلبة والكوارث الطبيعية التي أثرت هي الأخرى على اختلال أنظمة الزراعة والصناعة والاقتصاد بشكل عام. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد إنما شرعت الكثير من المنظمات الدولية في إعادة النظر في إستراتيجياتها المعينة للغذاء والمياه والزراعة، أو توقف الكثير منها لحين تحقيق الاستقرار سوى الجهود البسيطة التي تعمل على النهوض بمشروعات إنتاجية يسيرة تبنى خطواتها الأولى على الأرض. هذه الصورة لمجمل الأحداث السياسية في المنطقة تركت أثراً كبيراً على المشهد الغذائي لكونها صمام استمرارية المجتمعات. فقد ذكرت منظمة "الفاو" للغذاء أنّ أسعار الأغذية تراجعت بنسبة "1%" عن الشهر الماضي بسبب انخفاض تكاليف الألبان والسكر وتراجعات طفيفة في أسعار الحبوب وزيت الطعام، وتراجع مؤشر قياس التغيرات السعرية للحبوب والبذور الزيتية ومنتجات الألبان واللحوم والسكر مسجلاً "211،3" نقطة مقابل "213"نقطة في الشهر الماضي. هذا التراجع في المؤشر قد يعقبه تعثر بعض مشروعات الصناعة الغذائية مما يعوق عملية تأمين الغذاء للمجتمعات في ظل عدم الاستقرار. وإذا كانت معدلات الاستهلاك الغذائي في العالم العربي تنمو بوتيرة تتجاوز قابلية الدول على إنتاج المواد الغذائية، فهذا سيزيد اعتمادها على الاستيراد فقد استوردت الدول العربية ما يقدر ب"23"مليار دولار من المواد الغذائية في 2000، وتأتي الحبوب في أولويات الاستيراد، تليها الألبان ثم الزيوت واللحوم والسكر، كما يقدر مجموع الإنتاج العربي من الأغذية "153"مليوناً من الأطنان في 2012 وهي نسبة ضئيلة إذا قورنت بعدد السكان. وتشير الإحصاءات إلى أنّ "16"مليار دولار هو حجم الإنفاق المتوقع للدول العربية بحلول 2017 ويشكل قطاع الأغذية النسبة الأكبر في نفقات المستهلكين فقد وصلت العام 2012 إلى "83"مليار دولار. ومع تنامي الاحتياجات البشرية لأطنان من الغذاء بكافة أشكاله وإنتاجياته، وفي ظل زيادة سكانية، يقف الاقتصاد الغذائي على مفترق طرق بين تحقيق الاكتفاء الغذائي الذي كان يحلم بإنجازه كمخزون إستراتيجي، وبين الطلب المتزايد على توفير كميات إضافية من الغذاء التي باتت ضرورة في ظل أوضاع مضطربة في الشرق الأوسط، تجتاح الأراضي الخضراء والمساحات المزروعة وأوقفت الكثير من مشروعات التنمية الزراعية والسمكية والصناعية والغذائية، مما جعل المنطقة غير قادرة على الإنتاج الذاتي وليس بمقدورها التصنيع الغذائي بسبب الوضع الراهن. وقد حددت مجلة العلوم الاجتماعية الصادرة بالإمارات مشكلة الغذاء بأنها إشكالية بارزة في الاقتصادات العربية، منها الفجوة الغذائية، والاعتماد على الاستيراد بشكل رئيسي، وذكرت أنّ الوطن العربي يستورد ما قيمته "20"مليار دولار سنوياً وقد يزيد على هذه القيمة بكثير، وتمثل الصادرات العربية حوالي "5%" فقط فيما تمثل الواردات الزراعية نحو "16%" من الواردات العربية، كما توقعت زيادة الفجوة الغذائية بحلول 2050 لتصل إلى "50%"، وهي نسبة ضخمة تشكل تحديا حقيقيا للحكومات العربية في ظل النمو المطرد للسكان. ومن التحديات اختلال التوازن بين القطاعات الإنتاجية للدول العربية، وانخفاض مساهمة القطاع الزراعي في البلدان العربية إذ لا تزيد مساحة الأراضي الصالحة للزراعة على "5%" من المساحة الكلية، وتراوحت نسبة من يعملون في الزراعة ما بين "10%ـ20%" بينما أصاب الترهل القطاعات الاقتصادية والتجارية والخدمات بشكل أثر على الزراعة والغذاء وإنتاجه والمشروبات والمنسوجات. ورأت الدراسة أنّ الوضع الراهن يتطلب إعادة النظر في المفاهيم الاقتصادية لدعم النمو بين الدول العربية، وتجاوز المفهوم الضيق للتنمية بتحقيق التكامل بين الدول لحل مشكلة الغذاء، وخلق مناخ ملائم لتنمية الأراضي الصالحة للزراعة، وحث الأفراد على بناء مجتمعات بشرية تقوم على الإنتاج الذاتي.