31 أكتوبر 2025

تسجيل

الوشاية مرض العصر

10 يوليو 2012

يستمرئ أشباه البشر في تمرير فسقهم عبر هواتفهم المحمولة والمحملة بالآثام من خلال بث رسائل سمجة، لتخريب البيوت، وهز أركان الأسرة بإثارة الشكوك. وحينما يقتحم الشك المنازل، ويجد موطئ قدم فيها، فإنه يتحول إلى طوفان يقتلع جذور المحبة والألفة بين الزوجين، وغني عن القول أن الثقة بين الزوجين تعتبر من الركائز الأساسية، فالحياة الزوجية شركة تضامنية رأسمالها الكم الهائل من الأحاسيس والمشاعر، ولا ريب أن الأطراف المتضامنة حينما قرروا الدخول والمساهمة في تأسيس هذه الشركة المباركة، وكل يدرك بأنه وضع كل ما يملك من مشاعر نبيلة وأحاسيس تتدفق حناناً تحيطها الألفة من كل جانب ويحتويها الوئام ولا يرغب أي طرف من الأطراف في خسارة الأرباح المعنوية التي لا تقدر بمال فضلاً عن إشهار إفلاسها، من هنا فإن الهدف من إنشاء هذه الشركة ليس فقط لمجرد بقائها، بل إن الاستثمار الأمثل يكمن في تنميتها وتطويرها لتظل شامخة عملاقة لا تتأثر بفعل تقلبات ما يضخه الفضاء بين الحين والآخر من برامج أشبه ما تكون بأسلحة دمار شامل، وأعني بذلك تدمير الأسر، وتفتيت عرى التواصل بين الزوجين، سواء بتحريض مبطن لطرف على الآخر، أو من خلال الخلط في المفاهيم والتشويش المركز والمعتمد، لتتوشح بلباس الموضوعية، وهي أبعد ما تكون عنها، بل إنها في واقع الأمر تحمل في جوفها السم الزعاف، ولم يعد من الصعب اكتشاف نواياهم والتنبه إليها، والشك من الأمور المقيتة والمؤذية في الوقت نفسه، لذا تجد الصنف من هؤلاء يفتقر إلى التركيز، مرتبكا دائماً، ينخر هذا الاهتزاز في شخصيته ويصيب ثقته بنفسه، ويحيل حياته إلى جحيم، عطفاً على وساوس وأوهام شيطانية المنشأ تجعل أيضا من يعيش معه يكتوي بنار جحيمه، فالشك يكتنفه من أعلى رأسه إلى اخمص قدميه، يشك في كل الناس، بل حتى في نفسه، وحينما يشعر الإنسان بأنه متهم حتى في منزله فأي حياة هذه، وأي عيش يجعله مراقباً لكل حركاته وسكناته، ليظل حبيساً لأوهام لا تعدو عن كونها تخيلات لفكر مريض، نسج البؤس خيوطاً سوداء في داخله، ويتكون الشك وينبع دائماً من المساحة بين النفي والإثبات، ومسألة الإثبات تستلزم أدلة قطعية وبراهين وحججا دامغة، والنفي كذلك، وكلما اتسعت الهوة بين النفي والإثبات كلما كان المجال متاحاً للشيطان اللعين وأعوانه لكي يصول ويجول في مخيلة الإنسان حتى يتمكن من بذر الشقاق والخلاف، وكلمة هنا وكلمة هناك في ظل ضعف الإيمان، ليكون الحصاد ما يؤمله أعوان الشر في وقوع المحظور، عبر المساهمة في التضليل والخداع ليخسر كل شيء، وقبل هذا وذاك خسارته لنفسه، بابتعاده عن تحصينها وعن تعاليم ربه القائل في محكم التنزيل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، وقال عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، ولكي يبتعد الإنسان عن الشكوك وأشواكها التي لا تتوانى في إصابته وهلاكه، فإن الأجدر بالمسلم أن يحسن النية والقصد، وأن يكون الظن بالأحسن حتى يثبت العكس، ولا يكون بالأسوأ لأنه سيزيد الأمر سوءاً، ولا يبرح في مرحلة التحقق مخلخلاً العلاقة، بل ويمزقها شر ممزق، فإذا ثبت العكس فإن الشرخ الذي أصاب العلاقة إبان مرحلة التحقق تلك لا يمكن تجاوزه حينما تخدش الكرامة بظنون وأوهام لا أساس لها من الصحة، ومن أشد الأمور قسوة على الإنسان، وأكثرها إيلاماً حينما يدفع ثمنا لخطأ لم يرتكبه نتيجة وشاية مغرضة من سافل حقير معدوم الإيمان، ضميره لم يتسع إلا لأوبئة تكتنز فؤاده العفن لم تبرح ممزقة قيمه وتنخر في أخلاقه التي رهنها للرذيلة لتموج به في أتون المعاصي، غير مدرك مغبة عمله الشائن، وما يترتب عليه من إلحاق الأذى بالآخرين، إن من تسول له نفسه الدنيئة هذا العمل البغيض، وتسوغ له الخسة الخوض في أعراض الناس، تارة يصيب هذا، وتارة ينال من ذاك، في تكريس للقبح بكل ما يحمله من مدلولات، توحي بأن هذا الإنسان غير السوي وهب نفسه للشيطان، فريسة سهلة ليصبح ألعوبة وجسراً سهلاً لإشاعة الفرقة بين الناس، ولم يدرك هذا المغفل أنه يُهدي مَن يصيب لسانُه القذرُ من حسناته، إن كان ثمة شيء منها، ويأخذ من سيئاته معتقداً أنه بهذا العمل الخسيس سيزداد رفعة، إلا إنه السقوط الذريع، لأن الكل يفقد ثقته به، ويحتقره، ولأن من كان هذا ديدنه حري بالاحتقار والازدراء، وعندما تتحرك هذه الأفاعي لتنثر سمومها، فإن الأجدر عدم الانسياق والتصديق، بل إن الحكمة تقتضي التحقق والتثبت لكيلا يضيق الأفق ويسطر الظلم عنوانا للتسرع في إصدار الحكم، بل إن مَن نقل إليك هذا الكلام لن يلبث أن تكون أنت محطته القادمة بمجرد أن تدير له ظهرك، وهكذا دواليك، والأدهى من ذلك هو كيف نتيح لهؤلاء النجاح في تمرير أهدافهم القذرة، حينما نصغي إليهم، ويغضب المسلم من أخيه عبر هذه الصفاقة، ويهجره، مع أن وسائل الاتصال، ولله الحمد، متوفرة ويمكن للمرء الاتصال في ثوانٍ معدودة للتحقق، ويكون لحسن الظن الحظ الأوفر في التفاعل والتعامل، منطلقاً من قوة إيمانه بربه.