25 سبتمبر 2025
تسجيلقبل أيام قليلة كان أحد فناني الثورة السورية، وهو "يحيى حوى" المقيم في الخارج ينشد في قلب التظاهرات الشعبية في مدينتي "سراقب، وبنش" بريف محافظة إدلب، ويلهب حماس الجماهير التوّاقة للحرية، وفي نفس التوقيت كان المناضل خالد أبو صلاح الذي عرفته الفضائيات العربية بتعليقه الإعلامي على أحداث الثورة من قلب محافظة حمص، بكل ما شهدته من فعاليات شعبية صاخبة ضد نظام الأسد، أو من أحداث دموية مؤلمة، وبخاصة في "باب عمرو" يحضر مؤتمَرين من المؤتمرات الداعمة للثورة في اسطنبول وجنيف، ويخاطبهما وجها لوجه بكلمات صادقة مؤثّرة تلامس عمق المأساة، مطالبا المؤتمِرين والعالم ليضعوا حداً لمجازر النظام بحق المدنيين السوريين، وينقذوا أهل مدينة حمص، ويدعموا الجيش الحرّ الذي يسعى للدفاع عنهم، وكبح جماح السفاحين من كتائب النظام وشبيحته. لا يخلو هذا الحضور، والتحرك المزودج في الاتجاهين: الخارج باتجاه الداخل، والداخل باتجاه الخارج ـ إذا صح التعبير ـ من دلالات مهمة على مستوى حراك الثورة السورية، لأن الثورة عندما اندلعت قبل نحو خمسة عشر شهرا التحم بها الشارع الثائر في الداخل مباشرة، ودعمها وساندها سوريون في الخارج، سواء من جيل الشباب الذين تفاعلوا مع أحداث بلادهم، أو من المعارضين وأتباع وأنصار الأحزاب والحركات السياسية المعارضة الذين اضطروا لمغادرة بلادهم قسرياً منذ عدة عقود، فرارا من بطش النظام، وذلك من خلال التظاهرات أمام السفارات والمهرجانات، وتنسيقيات وتشكيلات الدعم السياسي والمالي والإعلامي. لقد كان من تجليات الثورة السورية على الأرض بروز تنسيقيات لقيادة العمل الميداني سواء ما يتعلق بالحراك الشعبي ضد النظام، أو تشكيلات الجيش الحر فيما بعد من جهة، وظهور واجهات وتكتلات حزبية وثورية لتمثيل هذا الحراك على المستوى السياسي عربياً وإقليمياً ودولياً من جهة أخرى، ولا يخفى أن تباينا في وجهات نظر هذه المكونات وخلافات كانت ـ وما زالت ـ تقع من حين لآخر، لأسباب كثيرة، لعل من أهمها، البعد الجغرافي، وعدم تجانس الحركة، وعدم احترام كل من الطرفين، لتبادل وتكامل الأدوار لكل منهما، وقبل ذلك عدم وجود قيادة واحدة ومرجعية واضحة لكل التحرك الثوري الذي لا يمكن لأحد احتكار تمثيله، لأنه انطلق بصورة عفوية تلقائية . ولعل أبرز دلالات هذا التحرك المزودج في الاتجاهين (الداخل والخارج): ـ أن النظام السوري يفقد بصورة متسارعة السيطرة على الأرض، وأنه بات لا يسيطر على نحو 40 ـ 50 % ميدانيا وفق أقل التقديرات، وإلا لا أمكن خروج عدد من ثوار الداخل ثم العودة، ولا أمكن لشخصيات سياسية من المجلس الوطني السوري الدخول ثم الخروج ، عدة مرات، كما لم يكن بمقدور طواقم إعلامية عربية من الدخول لعمل تقارير خاصة ثم الخروج ثانية، كل ذلك رغما عن أنف النظام، وبما يمثله من تحد رمزي لسلطته التي يحاول فرضها بالحديد والنار. ـ التقريب بين وجهات النظر بين ثوار الثورة وسياسييها، وبين الحراك الثوري في الداخل والخارج، وتقليص الفجوات بين نظرة كل منهما لدور الآخر وأهميته، وفهم أهمية تبادل وتكامل هذه الأدوار ، فلا غنى للسياسي عن الثائر وهو الفاعل الرئيس ووقود الثورة ميدانيا، ولا غنى للثائر عن السياسي الذي يفترض أن يستثمر الحراك الثوري سياسيا، ويدير المفاوضات مع الجهات الإقليمية والدولية من أجل التسريع بسقوط النظام وإدارة مرحلة ما بعد سقوطه. ـ تقدم مثل هذه الزيارات المتبادلة دعما مهما للثوار وأنصارها، وتشعر الجميع كأنهم جسد واحد، ويد واحدة ضد الجلاد الذي انتفضوا في وجه ظلمه، فقد أسهمت زيارة المنشد حوى بزخم معنوي لثوار الداخل، عندما كان في صفوفهم، وهم يرددون أناشيده الحماسية، ومثل هذا الكلام يقال عن زيارة عدد من ثوار الداخل للخارج، وحضور بعض المهرجانات والمؤتمرات، بكل ما تركته من أثر عميق في نفوس مناصري الثورة في الخارج من المغتربين والمعارضين السوريين، ومن أبناء الجاليات العربية والإسلامية. ـ وللذين حرموا من زيارة بلادهم لعقود طويلة، فإن هذه الزيارات باتجاه الداخل تشتمل على معان عاطفية غير محدودة، وبلوغا لرغبة طالما تاقت نفوسهم إليها، بعد أن حرموا من زيارة أرضهم وديارهم، ومرابع صباهم، وكثير منهم كان يحال بينه وبين توديع أعز الأحباب لديه كالأم والأب وهم على فراش الموت. وكثيرون عبروا ليبقوا في الداخل حبا في الإسهام المباشر بثورة بلادهم، ورغبة في مقاومة الظلم الذي عانوا منه طويلا، ومن هؤلاء من قضى شهيدا بالفعل ومنهم من ينتظر. ما أهم هذه الزيارات.. فثمة من يقترب من روادها أكثر إلى العمل الثوري وواقعه في الداخل، ويعيش تفاصيله عن قرب وبخاصة السياسيون منهم، وثمة من يتعرف من الثوار على واقع العمل السياسي ونصرة الثورة السورية في الخارج عن كثب عندما يغادر بعضهم أرض الوطن لبعض الوقت للمشاركة في المؤتمرات واللقاءات.. تبادل وتكامل رائع لا بد منه.. بارك الله في جميع هذه الجهود المخلصة، بشرط أن تكون متجردة، لا تبحث عن الشهرة وحب الظهور أو تسجيل المواقف.