10 سبتمبر 2025
تسجيللدينا مثل شعبي يقول «عومة.. مأكولة ومذمومة» – فالأمثال الشعبية دائماً تعكس بيئة الإنسان المحيطة ومكوناتها الحاضرة في الحياة اليومية، وهذا المثل المستمد من البيئة البحرية يتكلم عن العومة وهي أسماك السردين الصغيرة فالبعض يأكل العومة على صغرها وبعد ذلك ينتقدها مظهراً عيوبها ووفقاً للمثل الشعبي فهو ينتقد من ينال فائدة الشيء ثم يعيبه وقد ذكرني هذا المثل بعلاقة الجمهور مع شركات التأمين فقد طالعنا الإعلامي البارز الأستاذ عبدالعزيز محمد بتغريدته اليومية متسائلاً «يا ريت حد يخبرنا حالات الاحتيال في الحوادث المرورية على شركات التأمين حلال ولا حرام؟ لأن وايد ناس مستسهلين الشغلة» وفوراً انهالت عليه تعليقات الجمهور وقد هالني حجم الغضب غير المبرر والقائم للأسف على عدم الفهم لطبيعة عقد التأمين وطبيعة صناعة التأمين وعمل شركات التأمين الوطنية وبالرغم من مشاركتي السابقة في محاولة رفع الوعي التأميني بالكتابة في هذا الموضوع في كتابي «صناعة التأمين – الفرص والتحديات» والمتضمن فصلاً كاملاً عن تأمين السيارات تحت عنوان «تأمين السيارات والمركبات – ما له وما عليه» فإنني كممثل لسوق التأمين القطري أرى من واجبي أن أوضح الكثير من الحقائق الغائبة عن هذا الجمهور الغاضب:- العلاقة بين الجمهور وشركة التأمين علاقة تعاقدية يربطها عقد تأمين السيارات ومقابل سداد الاشتراك أو قسط التأمين على المركبة تستوجب مسؤوليات وهي على كلا الطرفين المؤمن (شركة التأمين) والمؤمن له (مالك السيارة) ويلتزم كل منهما بشروط واستثناءات هذا العقد ولا يعني التأمين لدى شركة التأمين أن على شركة التأمين الوفاء بكل متطلبات المؤمن له حتى لو لم تكن متضمنة في نطاق التغطية التأمينية أو تندرج تحت أياً من استثناءاتها ففي النهاية شركة التأمين ليست صندوقا خيريا بلا رقيب أو حسيب فإن شركات التأمين الوطنية شركات مساهمة قطرية، ومساهموها مقابل أموالهم يتوقعون تحقيق أرباح في نهاية كل عام بعد أداء الخدمة لعملائها والوفاء بالتزاماتهم قبلهم. تأمين السيارات عموماً وليس فقط إقليمياً بل عالمياً ومنذ نشأة مفهوم وصناعة التأمين ما بين عامي 1500 و1700 ميلادياً يعد من فروع التأمين الخاسرة أو على أقل تقدير من الفروع ذات الربحية الأقل هو مع التأمين الطبي ولولا وجود فروع تأمين أخرى في المحفظة التأمينية لشركات التأمين مثل تأمينات المساكن والمباني وتأمين المشروعات والمسؤوليات وغيرها والتي تعوض الخسائر المحققة من تأمين السيارات ما استمرت صناعة التأمين مطلقاً ولكن تأمين السيارات يعد خدمة مقدمة من تلك الشركات لعملائها ويتم تعويض خسائرها من الربحية المحققة في فروع التأمين الأخرى في محفظة شركات التأمين لأن شركات التأمين امتداداً لدورها في خدمة المجتمع تقدم خدمة تأمين السيارات تواؤماً مع القوانين المدنية المحلية التي تعتبره إجبارياً لتقديم الحماية للاقتصاد الوطني من ناحية وتقديم الحماية والدعم للجمهور المتضرر من حوادث السيارات سواء مالك السيارة أو المتضررين من الطرف الثالث سواء كانت وفاة أو عجزا كليا دائما. تخيل لو لم يكن هناك تأمين وشركات تأمين تنبري - طبقاً للقانون – بالحلول محل المؤمن له في تحمل المسؤوليات القانونية والمدنية الناجمة عن تأمين السيارات فمن أين سيتم للبعض ممن تحول أوضاعهم المالية دون الوفاء بالمسؤوليات الناجمة قبل الغير بذلك؟ كتبنا قبل ذلك متسائلين لو لم يكن هناك تأمين فكيف ستكون الصورة بالنسبة للكثير من أصحاب رأس المال لأن التأمين ليس فقط تأمين سيارة والمسؤوليات الناجمة عنها سواء للسائق أو المتضرر من العامة سواء مواطنين أو مقيمين إن كان ذلك تعويضاً مادياً للممتلكات أو تعويضاً للوفاة أو العجز الكلي الدائم وما يستتبعه من تعويضات تفوق تحمل الغالبية من متسببي الحوادث، ولذلك كان القانون المدني ممارساً لدوره في حماية الأمن المجتمعي بفرض وجوبية التأمين الإجباري على السيارات ولكن هناك أيضاً مشاريع وشركات مساهمة لها دور فعال في عملية الاقتصاد القومي وبرؤوس أموالها الوطنية المشاركة في تلك المشاريع تحتاج إلى الحماية لو -لا قدر الله - تعرضت تلك المشاريع إلى الخسارة سواء كان ذلك نتيجة لطبيعة المشروعات أو الكوارث الطبيعية فمن سيبادر بتوفير الحماية لرؤوس الأموال تلك إن تحققت الخسارة لو لم تكن هناك صناعة التأمين الوطنية التي تبادر بمد العون والدعم وتعيد لعجلة الاقتصاد القومي أحد تروسها فالتأمين يقدم الحماية لرأس المال الوطني ويقدم الحماية للبنوك الوطنية بتأمين القروض في حالة قدر الله وفاة العميل وعدم مقدرة عائلته على الوفاء بكامل الدين أو تعثر العميل بسبب وضع عملياته الاقتصادية وتعثر هو وغيره من سداد قروض البنوك فماذا سيكون الوضع لو لم تكن هناك شركات تأمين وطنية. للأسف إن الانطباع العام الموجود إقليمياً بسبب نقص الوعي التأميني هو أن شركات التأمين يجب أن تكون المسؤولة عن كل شيء حتى لو كان هذا خارج نطاق عقود التأمين ومسؤوليات والتزامات شركات التأمين وهذا لا نجده في الدول المتقدمة مثل الأسواق الأوروبية والأمريكية لتأهل الوعي التأميني المدرك لأهمية صناعة التأمين لاستقرار الأمن المجتمعي علماً بأن أسعار التأمين في الإقليم أقل كثيراً من مثيلتها في تلك الأسواق. نهيب بالمسؤولين عن أجهزة الرقابة عن صناعة التأمين بمصرف قطر المركزي التعاون مع شركات التأمين الوطنية والمشاركة في عمل ندوات إعلامية متعددة والتعامل مع وسائل الإعلام المحلية المختلفة لنشر ودعم الوعي التأميني لدى الجمهور بالمجتمع القطري للوصول إلى الوعي والفهم الحقيقي لأهمية دور شركات التأمين الوطنية والخروج من جلباب المظلومية وجلد شركات التأمين الوطنية كلما تصادمت المصلحة الشخصية لأحد المتضررين من حادث مع شروط والتزامات عقد التأمين. وأخيراً وليس آخراً فقد أضحت شركات التأمين عند البعض مثل المثل «عومة مأكولة ومذمومة».