11 سبتمبر 2025
تسجيلأثارت انتباهي تلك المحاولة المتهورة التي قامت بها فتاة عشرينية من سلوفينيا في بدايات العام 2019 بالمبادرة بقطع يدها بمنشار كهربائي من المعصم للاحتيال على شركات تأمين أبرمت معهم عدة عقود تأمين على الحياة، وتم اكتشاف الأمر ونجح الأطباء في المسارعة بإعادة تركيب المعصم في الوقت المناسب قبل دخولها السجن لقضاء عقوبة الاحتيال والغش، وقد شدتني تلك الفتاة المتهورة لأكتب عن مظاهر وحالات الغش والاحتيال في صناعة التأمين. والاحتيال وفقاً لنص المادة 354 من القانون الجنائي القطري والتي بموجبها يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات كل من توصل إلى الاستيلاء لنفسه أو لغيره على مال منقول أو سند مثبت لدين أو مخالصة أو إلى إلغاء هذا السند أو إتلافه أو تعديله، وذلك باستعمال طرق احتيالية أو باتخاذ اسم كاذب أو صفة غير صحيحة متى كان من شأن ذلك خداع المجني عليه، وأيضا في القانون المدني تنص المادة 220 على أن "كل شخص ولو غير مميز يثرى دون سبب مشروع على حساب شخص آخر يلتزم في حدود ما أثرى به بتعويض هذا الشخص عما لحقه من خسارة، ويبقى هذا الالتزام قائماً ولو زال الاثراء فيما بعد" وهذا ينسحب على الشخص بذاته أو الشخصية المعنوية ممثلة في شركات أو كيانات. الاحتيال في مجال التأمين: الاحتيال في التأمين هو أي فعل يتم ارتكابه للاحتيال على عملية التأمين بغرض الحصول على بعض المزايا التي لا يحق لهم الحصول عليها بموجب عقد التأمين، وبالتالي فهو يعد أي عمل يقصد منه تحقيق كسب غير شريف أو غير شرعي أو غير قانوني من خلال التعمد في تقديم أو إخفاء أو كتم أو عدم الكشف عن إحدى أو كل الحقائق المادية المتعلقة بقرار مالي تزمع شركة التأمين إجراءه لمصلحة أحد أطراف عقد التأمين. والغش في التأمين والذي يؤدي إلى اتخاذ بعض التدابير الوقائية يعود إلى العصور الوسطى ففي عام 1380 فرض مرسوم جنوه على رسوم إغراق لحماية السلع، بينما حظر قانون برشلونة لعام 1435 التأمين على نفس المنتج عدة مرات، وقد تشدد القضاء في عقاب المحتالين على التأمين كما حدث عندما تم انقاذ سفينة تجارية في خليج جاسكوين في القرن الخامس عشر أبلغ عن غرقها، ولكن حينما تمت معاينة حمولتها بعد إنقاذها اتضح أن السفينة كانت مليئة بالحجارة في حين أن بوليصة الشحن أوضحت أن الحمولة المفترض أنها أقمشة. وصدر الحكم في العام 1570 بأن كلا من قائد السفينة ووسيط التأمين مذنبان وحكم عليهما بالإعدام. وفي العام 1598 نصت قواعد أمستردام الصادرة عن قانوني براغ وانتورب على فرض عقوبات جسدية ومالية على القبطان والملاحين وحملة الوثائق في حالة الغش أو الاحتيال. ويمثل الاحتيال مشكلة كبيرة في صناعة التأمين وتنعكس سلباً على أداء صناعة التأمين واضطرارها لرفع معدلات الأقساط التأمينية وإضافة الكثير من الشروط والاستثناءات في عقد التأمين للحيلولة دون وقوع ذلك الجرم أو التقليل من مخاطره المالية على مسيرة النمو في شركات التأمين. أنواع الاحتيال في التأمين: تتوزع عمليات الغش والاحتيال في مجال صناعة التأمين على فروع التأمين المختلفة، وهنا نوجز بعض الحالات التي تمثل ذلك الجرم في بعض فروع التأمين: 1-التأمين على الحياة: تحدث غالبية عمليات الاحتيال في التأمين على الحياة في مرحلة تقديم الطلبات بما في ذلك قيام المتقدمين بتحريف حالتهم الصحية ودخلهم ومعلومات شخصية أخرى من أجل الحصول على قسط تأميني أرخص، نظراً لأنه يمكن إجراء المزيد من تعديلات التأمين عبر الإنترنت أو عبر الهاتف، فسرقة الهوية يمكن أن تؤدي إلى تعديل شــروط التأمين على الحياة لفائدة المحتال بإضافة هوية مسروقة ثانية كمستفيد جديد. والاحتيال في التأمين على الحياة يتضمن تزوير الموت للمطالبة بالتأمين على الحياة، وقد يظهر المحتالون أحياناً بعد سنوات قليلة من الاختفاء مدعين فقدان الذاكرة كوزير الحكومة البريطانية السابق جون ستونهاوس الذي فقد في العام 1974 من شاطئ ميامي ثم تم اكتشاف أنه يعيش تحت اسم مستعار في أستراليا وتم تسليمه إلى بريطانيا وسجن لمدة سبع سنوات بتهمة الاحتيال والسرقة والتزوير. 2-التأمين الطبي أو الصحي: الاحتيال في التأمين الصحي أو الطبي يوصف بأنه فعل متعمد يؤدي إلى خداع المعلومات أو إخفائها أو تحريفها مما يؤدي إلى دفع مزايا ومنافع الرعاية الصحية لفرد أو مجموعة وهو يمكن حدوثه من قبل شخص مؤمن عليه أو من قبل مزودي الخدمات الطبية، فالأعضاء يلجأون بالاحتيال في التعديلات إلى نماذج التسجيل وإخفاء الظروف الصحية السابقة وعدم الإبلاغ عن التغطيات الأخرى، والاحتيال في الأدوية التي تستلزم وصفة طبية وعدم الكشف عن المطالبات التي كانت نتيجة عمل لا يتعلق بالتغطية التأمينية، ومزود الخدمة يتركز احتياله في المطالبات المقدمة من قبل الأطباء الوهميين والفواتير مقابل الخدمات التي لم يتم تقديمها والتشخيص أو العلاج الذي يقع خارج نطاق الممارسة، وتقديم الخدمات الطبية أثناء تعليق التراخيص الطبية أو الغائها، وباللجوء للفحوصات الطبية المستقلة يتم الكشف عن زيف مطالبات التأمين الكاذبة، وللأسف أكثر مرتكبي الغش في التأمين الصحي شيوعاً هم مقدمو الرعاية الصحية، ويكمن أحد أسباب ذلك وفقاً للسيد / ديفيد هايمان – الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ميريلاند هو أن الموقف السائد تاريخياً في مهنة الطب هو "الإخلاص للمرضى" وهذا الحافز يمكن أن يؤدي إلى ممارسات احتيالية مثل الفواتير لشركات التأمين للعلاجات التي لا تغطيها وثيقة تأمين المريض، وللقيام بذلك يقوم الأطباء بسداد فاتورة لخدمة مختلفة تغطيها الوثيقة بدلاً من الخدمة التي قدموها فعلياً، إضافة بالطبع لأسباب أخرى في الاحتيال في مجال التأمين الطبي أو الصحي ألا وهو الرغبة في تحقيق مكاسب مالية بالتحايل على هيكل الرسوم مقابل الخدمة المعتمد على الترميز الأعلى والتي تنطوي على فواتير للعلاجات الأكثر تكلفة من تلك المقدمة بالفعل ومن ثم إصدار الفواتير للعلاجات غير الضرورية طبياً مع جدولة زيارات إضافية للمرض أو إحالة المرضى إلى أطباء آخرين عندما لا تكون هناك حاجة فعلياً لمزيد من العلاج إضافة إلى الفواتير الوهمية. 3-تأمين السيارات: عمليات الاحتيال في تأمين السيارات كثيرة، تبدأ من تزييف حالات الوفاة المرورية أو مطالبات مبالغ فيها، وقد يشارك في ذلك بعض خبراء تسوية المطالبات وغيرهم من الأشخاص الذين يقومون بإعداد تقارير شرطة زائفة لمعالجة المطالبات، وأحد التكتيكات التي يستخدمها المحتالون هو القيادة إلى تقاطع طرق مزدحم أو دوار والفرملة بشكل حاد مما يتسبب في اصطدام سائق السيارة الذي يقود بالخلف ومن ثم يزعمون بأن السائق الآخر هو المخطئ ويقدمون مطالبة كاذبة ومبالغ فيها لشركة تأمين السائق عن الإصابات والأضرار، ومن الأمثلة الأُخرى القفز أمام السيارات كما حدث في روسيا من قفز البعض أمام سيارات باهظة الثمن أو الاصطدام بها وهناك أيضاً الادعاءات المبالغ فيها، فقد يقع حادث حقيقي ولكن المالك غير الأمين قد ينتهز الفرصة لدمج مجموعة كاملة من أضرار السيارة البسيطة السابقة في فاتورة ورشة الإصلاح المرتبطة بالحادث الحقيقي، أو تقديم أكثر من مطالبة واحدة لإصابة واحدة وتقديم مطالبات بالتعويض عن الإصابات التي لا تتعلق بحادث سيارة والإبلاغ الخاطئ عن خسائر الأجور بسبب الإصابات والإبلاغ عن تكاليف أعلى لإصلاح السيارات وغير ذلك من سبل الاحتيال والغش. 4-مخاطر الاحتيال على شركات التأمين وعلى المجتمع: في الدراسة القيمة التي أعدها السيد المستشار سعيد النجار بمكتب قطر الدولي للمحاماة والاستشارات القانونية والعضو في "محامون حول العالم" استعرض مخاطر عمليات النصب والاحتيال في صناعة التأمين سواء على شركات التأمين أو على المجتمع نوجز بعضاً منها فيما يلي: أ-لجوء شركات التأمين إلى سياسة رفع أسعار التأمين كنتيجة لخسائر الاحتيال وسداد تعويضات لحوادث غير حقيقية وللعمل على تجنب المخاطر وتدعيم نسب الاحتياطيات المالية. ب-اضطرار شركات التأمين إلى الاستعانة بخبراء في البحث والتحري وقياس وتقدير الخسائر والتعويضات نتيجة زيادة حالات الاحتيال التأميني ولاسيما مع تلاعب بعض مراكز الخدمة في صيانة السيارات مع محتالي التأمين مما يعد أعباء إضافية على كاهل شركات التأمين. ت-اضطرار بعض شركات التأمين إلى تسييل لبعض الأصول والاستثمارات لتغطية بعض التعويضات التي أدت عمليات الاحتيال إلى ارتفاع تكلفتها. ث-لجوء شركات التأمين نتيجة الاحتيال التأميني إلى خبراء القانون والمحاكم والتحكيم إضافة إلى الخبراء المدققين والخبراء في كشف المطالبات غير الصحيحة مما يؤدي إلى زيادة تكلفة التعويضات. ج-الخسائر غير المباشرة التي تحدث نتيجة تعثر مفاوضاتها مع سوق الإعادة العالمي في تجديد اتفاقيات إعادة التأمين نتيجة لتعرضها للاحتيال المالي التأميني. ح-ارتفاع أسعار الخدمات التأمينية في السوق المحلي بسبب زيادة الخسائر التي تتكبدها شركات التأمين مما يضطرها إلى رفع أسعار وعقود التأمين ليس على المحتالين فقط بل على جميع المتعاملين معها بالمجتمع. وأخيراً وليس آخراً فإننا نرى أنه من الضروري لشركات التأمين العمل على دعم آليات المراقبة والتدقيق الداخلي والخارجي ؛ لأجل مكافحة الغش وعمليات الاحتيال لأنه ليس فقط من المهم الكشف عن عمليات الغش والاحتيال ولكن أيضاً تقديم الأدلة التي تثبت ذلك لكون ذلك يقتضي العمل على عنصرين يصعب التحقق منهما: •الأدلة المادية على الغش وإثبات التحريف أو الإخفاء من جانب حامل عقد التأمين / الوثيقة. •إثبات النية الاحتيالية من جانب حامل عقد التأمين /الوثيقة، فيجب على شركة التأمين (المؤمن) أن يثبت سوء نية حامل عقد التأمين / الوثيقة وعزمه على الغش. ويقع عبء الاثبات على كتف شركة التأمين (المؤمن) الذي يدعي هذه الادعاءات ويعمل على اثباتها، بينما يظل المؤمن له / صاحب عقد التأمين المفترض به حسن النية على الجانب الدفاعي ضد شركة التأمين / المؤمن. وندعو هنا الجهات الرقابية إلى التعاون مع شركات التأمين ودعم موقفها في بعض تلك الحالات التي يتم اكتشافها وإثبات سوء النية فيها ورفعها لحسم أمرها من خلال الجهات الرقابية قبل تحويلها إلى القضاء في حالة تضرر صناعة التأمين الوطنية من سلبياتها؛ لكون ذلك الحسم في التعامل سيؤدي إلى القضاء على تلك الممارسات السيئة التي تضر بصناعة التأمين الوطنية. رئـيـس مجموعة الإسلامية القطرية للتأمين