11 سبتمبر 2025
تسجيلمن المعلوم أن أسعار الكثير من السلع بالأسواق في ظل النظام الاقتصادي الرأسمالي الذي يطلق عليه العديدون اقتصاد السوق، إنما تتحدد وفقاً للتفاعل بين قوى العرض والطلب، إلا أن الأمر يختلف كثيراً فيما يتعلق بأسعار النفط، حيث يرى العديد من الخبراء والمتخصصين في هذا المجال أن صناديق التحوط وقوى المضاربة يلعبون دوراً كبيراً في تحديد أسعار هذا المورد الهام على مستوى العالم، كما يعدون هم المسؤولين الرئيسيين عن ارتفاع أسعار عقود النفط الآجلة لأعلى مستوياتها هذا العام، على الرغم من تذبذب أسعار الشاحنات نتيجة لتخمة الإمدادات.ويؤكد العديد من الخبراء أن صناديق التحوط تمثل في الوقت الراهن القوة المهيمنة على سوق النفط وإنها تمتلك أصولاً نفطية تقدر بمليارات الدولارات، كما تحتفظ بمراكز صافية من العقود الآجلة وعقود الخيار (الاختيار) التي تمثل أحد أنواع المشتقات في كل من بورصتي نيويورك ولندن تعادل أكثر من 586 مليون برميل من النفط الخام بما يمثل حوالي ستة أيام من إنتاج كل من السعودية والعراق وإيران مجتمعين، وعلى الرغم من استثمار بعض صناديق التحوط الكبرى لنحو 1% فقط من محافظها المالية في سوق النفط إلا أن ضخامة قيمة محافظها تجعل هذه النسبة مرتفعة جداً إذا ما تمت مقارنتها بصناديق أصغر تركز معظم استثماراتها فى أسواق النفط.وتؤكد إدارة صناديق التحوط أنها لا تعتمد على رهان ارتفاع أسعار عقود النفط الآجلة بقدر اعتمادها على جعل هذه العقود وسيلة للتحوط ضد ضعف الدولار الأمريكي، وقد ساعدها في ذلك أن جزءًا كبيراً من زيادة الطلب على المضاربة كان مدفوعاً بالتحسن في أساسيات سوق النفط وفي المقدمة منها تراجع نشاط شركات الحفر الأمريكية حيث مازالت تكلفة استخراج النفط الصخري بها أعلى كثيراً من أسعار البيع، بالإضافة إلى التعافي النسبى للاقتصاد الأمريكي والتأثير الإيجابي لسياسة التيسير الكمي التي طبقها البنك المركزي الأوروبي مؤخراً.وفي أعقاب بدء تطبيق البنك المركزي الأوروبي لبرنامج التيسير الكمي اعتباراً من شهر يناير الماضي، اتجه الكثير من مديري صناديق التحوط لاستثمار أموالهم في شراء سندات الخزانة الألمانية، إلا أن عوائد هذه السندات قد خيبت ظنونهم ولم ترتفع بأكثر من 0,7% وانخفضت في بعض الأحيان إلى الصفر، مما اضطرهم إلى الحد من تداول هذه السندات أو محاولة إيجاد وسائل تحوط إضافية لاستثماراتهم، ومن ثم فقد وجدوا ضالتهم المنشودة في شراء عقود النفط الخام التي يمكن أن توفر لهم ولاستثماراتهم الكثير من الحماية الحقيقية.هذا وقد استغلت صناديق التحوط الفترات الزمنية السابقة التي انخفضت فيها قيمة الدولار الأمريكي الذي يمثل العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم، ويعد كذلك العملة التى يتم بها تسعير معظم السلع العالمية الأساسية ومن أهمها النفط، وذلك في شراء وتكوين احتياطيات ضخمة من هذا النفط على أمل البيع في فترات مستقبلية بأسعار أعلى ومن ثم تحقيق المزيد من الأرباح من خلال تعاملها وتداولها لعقود النفط الآجلة.إلا أن ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي اعتباراً من يونيو 2014 بنسبة بلغت أكثر من 16% كان له تأثير سلبي على انخفاض أسعار النفط، وقد واكب ذلك طفرة في إنتاج النفط الصخري الأمريكي بما يمثل زيادة المعروض من النفط فى ذات الوقت الذى انخفضت فيه معدلات النمو بالعديد من اقتصادات الدول الناشئة وفي مقدمتها الصين، بما يمثل انخفاض الطلب العالمي على النفط، وهو الأمر الذي أدى إلى تراجع أسعاره بحوالي 50% خلال العام الماضي.لذا يتخوف الكثير من المستثمرين من التأثير السلبي المترتب على ارتفاع أسعار النفط على اهتمام صناديق التحوط ودفعهم إلى التوقف عن شراء عقود النفط الآجلة ومن ثم خفض الطلب العالمي على النفط بما يمكن أن يفرض المزيد من الضغوط على أسعار النفط، وهو ما أكده بنك جولدمان ساكس الأمريكي الذي يعد أحد أهم البنوك تأثيراً في أسواق السلع، حين أبدى قلقه من تدني رغبة صناديق التحوط في شراء عقود النفط مع الارتفاع النسبي في أسعاره بل وإمكانية البيع المكثف من صناديق التحوط بهدف جني الأرباح، وما يترتب على ذلك من زيادة المعروض وانخفاض السعر من جديد.في حين ترى مؤسسات أخرى وخبراء آخرون أن الطلب القوي من دول الاقتصادات الناشئة الآسيوية خلال الشهور المقبلة بالإضافة إلى التعافي النسبي للاقتصاد الأمريكي واستمرار تطبيق البنك المركزي الأوروبي والياباني والبريطاني لبرامج التحفيز المالي والتيسير الكمي ستعمل على زيادة السيولة والرواج بالأسواق، ومن ثم ستكون لها دور هام في تعزيز ودعم أسعار النفط عالمياً.