14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); يعتبر الاقتصاد الخفي من الظواهر القديمة في كافة المجتمعات، ويوجد شبه اتفاق بين خبراء الاقتصاد على أن الظاهرة تشترك فيها كافة دول العالم المتقدم منها والنامي. بل ويمكن التأكيد بأن كلا منا قد شارك بالفعل بشكل أو بآخر في أنشطة هذا الاقتصاد ، سواء كان يعلم أو لا يعلم أنه يتعامل في الاقتصاد الخفي. على سبيل المثال عندما ندفع نقودا في مقابل درس خصوصي لأبنائنا ، أو عندما نستدعي سباكاً أو نجاراً أو غير ذلك، أو عندما نشتري سلعة من بائع جائل، أو عندما ندفع بقشيشا أو رشوة ... إلخ، فإننا نتعامل في الاقتصاد الخفي ، حيث إن أمثال هؤلاء لا يكشفون عن مثل هذه الدخول إلى السلطات الضريبية.ويتضمن مصطلح الاقتصاد الخفي مسميات متعددة مثل : اقتصاد الظل والاقتصاد الموازي أو السفلي ، وغيرها بما يشمل أي ممارسة من جانب فرد أو كيان مؤسسي لنشاط غير مشمول ضمن إحصاءات الحكومة، ولا يدخل ضمن حسابات الناتج المحلي الإجمالي، ويتميز بالسرية التي تعني هنا عدم معرفة الجهات الرسمية بتحركه.ولنقترب أكثر من هذا المفهوم، فإن اقتصاد الظل أو الاقتصاد الخفي ينطوي تحت سقفه نوعان أولهما يتعامل بسلع أو يقدم خدمات مسموحاً بها مثل ورشة غير مسجلة، نجار لا يحمل رخصة من الجهة المختصة، مدرس يعطي دروسا خصوصية دون علم الجهات المسؤولة وهو يسمي الاقتصاد غير الرسمي.أما النوع الثاني فيقدم خدمات أو يتاجر في سلع غير مشروعة قانوناً مثل تجارة الأسلحة، سرقة الآثار وبيعها، الرشاوي، تجارة الأعضاء البشرية، التهرب الضريبي ويسمى الاقتصاد الأسود، أو المشين أو اقتصاد الجريمة.وتشير التقديرات إلى إرتفاع معدلات الاقتصاد الخفي عالمياً بما يساوى أكثر من 25% من حجم الاقتصاد العالمي، وتحتل الولايات المتحدة الأمريكية المرتبة الأولى على مستوى العالم من حيث حجم الأموال غير المشروعة، إذ تقدر كمية الأموال غير المشروعة المتداولة فيها بنحو 80% من الميزانية الأمريكية الراهنة حسب تقارير وزارة الخارجية الأمريكية .أما في الدول النامية تشير بعض التقديرات إلى أن أكثَر من ٣٠ % من الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية و ٧٠ % من عمالها موجودون خارج الاقتصاد الرسمي، و يساعد على ذلك أن نسبة كبيرة من معاملات الأفراد في تلك الدول تتم بصورة نقدية ويقل حجم التعامل مع الجهاز المصرفي بالمقارنة بما هو عليه الحال في الدول المتقدمة حيث يرتفع مستوى الوعي المصرفي لارتباط معظم العمليات إن لم يكن كلها بالمصارف .والدول العربية ليست بعيده عن التأثيرات الدولية ، ففي مصر كما ذكر الخبير الاقتصادي العالمي «هرناندو دي سوتو - رئيس مؤسسة بيرو للحرية والديمقراطية » أن قيمة الاقتصاد الموازي بها تقدر بـ 2.6 تريليون جنيه وهو رقم يساوي حوالي خمسة أضعاف جملة الدخل القومي المصري، كما ذكر أيضاً أن الضرائب المستحقة على هذا القطاع لو تم إدراجها في الدخل القومي ستقدر بـ 150 مليار جنيه، وهو رقم يقترب من العجز فى الموازنة العامة المصرية . وفي الجزائر يتراوح الحجم الكلي لأنشطة الاقتصاد الخفي ما بين %20 إلى %30 من الناتج المحلي ، أما السعودية وصل حجم الإقتصاد الخفي إلى 549 مليار ريال أي ما يقارب خُمس إجمالي الناتج المحلي للمملكة حسب تقارير البنك الدولي لعام2014 .ولانتشار ظاهرة الإقتصاد الخفي أسباب متعددة منها : ارتفاع معدلات الضرائب و الرسوم الملحقة بها مما يدفع الأشخاص وأصحاب المؤسسات للانتقال والتوجه نحو العمل في الاقتصاد الموازي ، تجنبا لتحمل العبء المتزايد الذي قد يقلل من دخولهم وأرباحهم .كما يساهم الإفراط الحكومي في التدخل في النشاط الاقتصادي إلى اتساع ظاهرة الاقتصاد الخفي ، وذلك بسبب تدخل الدولة عن طريق فرض النظم الإدارية التي تصبح مع مرور الوقت قواعد و قوانين لتسيير الاقتصاد ، خاصة في البلدان النامية التي يهيمن فيها القطاع العمومي على كافة مناحي الحياة الاقتصادية . وبزيادة هذه القيود والضغوط يزداد تحايل الأفراد والمتعاملين الاقتصاديين على هذه القيود المفروضة من طرف الدولة .كما أن ضعف مخرجات التعليم يساهم في توسع هذا النوع من الاقتصاد، حيث إن تزايد أعداد الخريجين غير المؤهلين يعني عدم توافقهم مع متطلبات سوق العمل في وظائف جيدة، ومن ثم يكونون على استعداد للعمل في أنشطة أقل كفاءة لا تتبع أطراً تنظيمية خاضعة لمراقبة السلطات.وفي كافة الأحوال فإن اقتصاد الظل يؤدي إلى تزايد معدل التهرب من دفع الضرائب والرسوم حيث تفقد الحكومة إيرادات كبيرة تؤثر سلبياً على ميزانيتها العامة و على مستوى الإنفاق العام ، ثم على مستوى التنمية الاقتصادية بشكل عام . وكلما ازداد معدل اقتصاد الظل على حساب الاقتصاد الفعلي الظاهر ، كلما أعطى معلومات وإحصائيات مضللة وغير دقيقة عن الإمكانيات الاقتصادية الحقيقية للمجتمع وأدى إلى سوء تخصيص الموارد الاقتصادية وسوء توزيع الناتج المحلي وكذلك سوء إعادة توزيعه .وعلى الرغم من ذلك توجد بعض الآثار الإيجابية لهذا النوع من الاقتصاد يتمثل أهمها في المساهمة في حل مشكلة البطالة دون الحاجة إلى إعداد خطط قد تستغرق زمنا لارتباطها بالدولة. كما يساهم أيضا في تخفيف أعباء الطبقات المتوسطة وما دونها عن طريق توفير مداخيل إضافية لدعم استقرارها اجتماعيا.وأخيراً، على الدول وضع خطة استراتجية طويلة المدى لمحاربة ظاهرة الاقتصاد الخفي من خلال تنمية الوعى الجماهيري بخطورة هذه الظاهرة وآثارها السلبية على الاقتصاد والمجتمع وأهمية الحاجة إلى تحجيم هذا الاقتصاد. وإدخال قوانين وإجراءات جديدة للتعامل مع الظاهرة مثل تخفيض أو على الأقل تثبيت مستويات الضرائب وتقليل اشتراكات التأمينات الاجتماعية وتغيير بعض قوانين العمل أو إلغائها ، والتشدد في تطبيق العقوبات الموجودة أو إدخال إجراءات جديدة للحيلولة دون زيادة معدلات الاقتصاد الخفي ، وكذلك زيادة أعداد المراقبين والمفتشين في هذا المجال بما يسمح بتقليل كافة أسباب انتشار هذا النوع من الاقتصاد لتفعيل أنشطة الاقتصاد الرسمي الذي يحقق التنمية والرخاء لكافة المجتمعات.