11 سبتمبر 2025

تسجيل

الترجمة والهُوية الثقافية العربية.. 2

10 يونيو 2014

تناولنا في مقالنا السابق تحت نفس العنوان أهمية الترجمة في نقل المعرفة بشتى مناحيها وعرفنا كيف أدرك تلك الحقيقة كل من يعمل على نهضة وتقدم شعبه.. وضربنا لذلك مثل الأمير خالد بن يزيد بن معاويه بن أبى سفيان في الدولة الأموية والخليفة العباسي هارون الرشيد وابنه الخليفة المأمون ثم محمد على باشا مؤسس نهضة مصر الحديثة وغيرهم ممن ساروا على نفس الدرب مثل الدكتور طه حسين. وفى عصرنا الحديث عندما أدركت جموع المثقفين أهمية تحرير العقول في تشكيل الوعي العام واستعادة الدور المهم لقوتنا الناعمة التي هي بلا شك أشد فتكا من جميع أنواع الأسلحة التي اخترعها الإنسان في العصر الحديث.. من أجل هذا تم إنشاء المركز القومي للترجمة عام 1995 في القاهرة برئاسة الدكتور جابر عصفور.. (للمزيد راجع المقال السابق). وأهم ما نود التأكيد عليه هو أنه إذا كانت الترجمة من اللغات الأخرى مفيدة لشعوبنا الناطقة بالعربية فإنه من الأهمية بمكان تعريف الشعوب الأخرى بنتاج عقول أبناء الشعوب العربية تأكيدا لمكانتنا بين الأمم. ومما يلفت النظر أن معظم الدول الناطقة بالعربية لا يوجد بها جهة معينة مسئولة عن الترجمة حيث يترك الأمر لبعض الأفراد ودور النشر وهو ما يتسبب في عدة مشاكل من أهمها: -عدم وجود خطة معينة للترجمة تضطلع بها جهة محددة وبالتالي لا توجد معايير بعينها للكتب المراد ترجمتها مما يجعل المسئولية غير محددة في حالة حدوث مشاكل نتيجة الخضوع لأهواء من يقوم بالترجمة وتقديره الخاص فضلا عن ما يجيده من قدرات هي في النهاية شخصية بحته. -تكرار الترجمة لنفس الكتب لدرجة أن يصفها البعض بالموضة التي يسير على نهجها الكثيرون. -تراجع ترجمة الكتب العلمية والطبية على وجه الخصوص ربما لصعوبة عملية الترجمة ذاتها. -عدم الاهتمام بالترجمة من العربية إلى اللغات الأخرى كما أسلفنا. -تجنب ترجمة الكتب الجادة حيث أن معظمها لا يلقى رواجا مما يؤثر سلبا على عملية الترجمة ذاتها حيث سيقع الاختيار على الكتب الأكثر رواجا في المبيعات والتي تحقق أرباحا مادية أكثر من غيرها. ليس كل ما سبق هو ما يواجه الترجمة من صعوبات ولكننا نرصد بعض المشكلات الأخرى ومن أهمها، وهو أمر يدعو إلى الرثاء والأسف، عدم وجود ميزانية مخصصة للترجمة في الجامعات العربية على عكس ما هو كائن في جامعات أوربا والولايات المتحدة الأمريكية. أما مسألة مستوى المترجمين المهني فهي تمثل مشكلة أخرى حيث أن من يتصدى للترجمة لابد أن يتحلى بقدر عال من الثقافة والمهنية فيما يقوم بترجمته.. بمعنى أن يتمتع المترجم بقدر من الإبداع والحس اللغوي والقدرة على تقريب الثقافات. ومن المشكلات التي يجب حلها لازدهار عملية الترجمة هي ضرورة العمل على توافر معاجم في كافة نواحي المعرفة وفى الناحية العلمية على وجه الخصوص. كما أنه لا توجد لدينا جهة معينة تستطيع تحديد مستوى المترجم أو الحكم على ما يقوم به من أعمال أو ما يتمتع به من حس لغوى يساهم في إنجاح عملية الترجمة ذاتها. وإذا أضفنا إلى ما سبق عدم وجود من يهتم بالمستوى المادي للمترجمين ومستقبلهم مثل رابطة أو نقابة مما يوفر لهم الأمان ويجعلهم يعملون في مناخ مناسب يليق بالرسالة السامية التي يحملونها على عاتقهم فالترجمة فعلا تواجه مأزقا خطيرا لما سيترتب على ذلك من عزوف المثقفين عن احتراف الترجمة أو حتى القيام بها إلى جانب أعمالهم. وأخيرا فإننا ننبه إلى مشكلة أخرى قد تؤثر سلبا على الترجمة وهى عدم وجود نظم أو قوانين محددة تكفل الحقوق الأدبية وبالتالي المادية للأعمال التي تتم ترجمتها.. ويمكن أن نتغلب على هذه المشكلة بعمل قاعدة بيانات تتولاها جهات محددة ولتكن وزارات الثقافة مثلا.. وأن تحتوى هذه القاعدة على الأعمال التي ترجمت بالفعل وأسماء المترجمين والجهات التي يتبعونها إن وجدت.. وفى نفس الوقت فإن ذلك سيمنع الازدواجية والتكرار ويكفل للمترجمين حقوقهم ويأخذ بعملية الترجمة ذاتها خطوات إلى الأمام. وإلى موضوع جديد ولقاء قادم بحول الله .