14 سبتمبر 2025

تسجيل

شبرة السمك في قطر.. من يحولها إلى شبرة ثقافية وسياحية؟

10 يونيو 2012

طال انتظارنا كمستهلكين لتحسين احوالها ففوجئنا فقط بتطوير طفيف ركز على زيادة مساحات مزاد البيع والتنظيف والتهوية والتكييف في اقل تقديرات لقيمة السمك في ثقافة اهل البحر "هل قطر" الذين ظلوا لفترة طويلة ليس لهم من غذاء سواه. حتى الساحل المخصص لبيع الاسماك في الكورنيش الذي سمى "الفرضة او الحالة" ومثله في الوكرة والخور والرويس، وهي المناطق الساحلية الشرقية المأهولة بسكان قطر والمعروفة منذ القدم بقيامها على هذا النشاط، تأسف عندما تراها مجرد مساحات أو مبان مهترئة وقديمة ومتسخة للمزايدة والمرابحة، خصوصا وان مشاريع واعدة لإحياء بيوت الاهل والأجداد قامت بجوارها بمحاذاة المساكر، دون ان يشملها الترميم او البناء الفني المعماري العربي الأصيل المتناسب ودورها وثقافة البحر. واذا ما تعمقت اكثر ودخلت الى السوق ستجده مكانا منفرا يقابلك فيه البائع من الشرق آسيويين في تهافت على المشترين من المواطنين الذين يندر تواجدهم فيه، وكل بائع يحاول استقطابك الى دكانه في حر شديد ودون وسائل تسويق او تشويق، ودون سعر يتوازى مع غنى بيئته البحرية ومع العرض والطلب، حيث أضحت الأسماك طعام الاغنياء لكونها اليوم أغلى من الخرفان وأضحت وليمتها اكثر تكلفة منها، خصوصا مع منع صيد الربيان وأمّه وشح مزارعه، واعتمادنا على "سعودي" و"عماني" او "بحريني" رغم ان خليجنا واحد وأن للقشريات مسارات ومواسم. ولعل ما يؤسفنا اليوم إضافة إلى كل ما سبق هو تراجع المعرفة وجهل الكثير منا بانواع الاسماك ومسمياتها والجيد من الرديء منها، وطرق معرفة الطازج وتفحص القديم من الجديد منها في مراكز البيع في الشبرة، معرفة تزيد ثقافتنا النوعية في الثروة البيئية وثقافتنا الشرائية حتى لا نتعرض للغش التجاري. والعلاقة بيننا وبين ثقافة البحر عكسية فكلما تطور الجيل ونقص عمره في قطر زاد جهله وزاد ابتعاده عن ثقافة الثروة البحرية. تسبق المعرفة دائما كل نشاط خصوصا في مجال حيوي كصيد الأسماك، واطرح الموضوع اليوم لأهميته لنا في بلد هو شبه جزيرة حيث يعد البحر مصدرا من مصادر الأمن الغذائي، وأجد جدوى اهتمام المؤسسات ضرورة خصوصا وان التنمية البيئية هي احد محاور رؤية قطر 2030. ولعلني استحضر وانا أرى المدنية تقض مضجع الاسواق القديمة والتراثية والبيئية والمتعلقة باساليب الحياة، استحضر زيارتي للسوق في مدينة "سياتل" في ولاية واشنطن الأمريكية التي سمي فيها السوق "سوقا" بالمسمى العربي المعروف "SOUQ".. حيث تجد على يمين السوق بازار الخضارين وهم يبيعون لك الفاكهة على نمط بيع العرب، حيث تتيح لك متعة التسوق هذه التذوق قبل الشراء، فضلا عن وقوع عدد من المقاهي بمحاذاة البازار، ومنها ما هو على الطريقة الأوروبية التي يندر وجودها في كثير من الولايات الأمريكية، ومنها ايضا اول مقهى لستاربكس في امريكا الذي دشن في مسقط رأسه في سياتل عام 1971، أما على يسار السوق وعلى مقربة من الشاطئ فستجد سوقا مسقفا لشبرة الأسماك، وهي — رغم تواضع بنائها — ليست شبرة عادية، بل هي مركز سياحي فذ تجد فيه أمة من الناس من شتى دول العالم سائحين بكاميراتهم، التي تريد ان تقتنص صورا فريدة لسرطانات البحر من آلاسكا المشهورة بضخامتها وكبر حجمها ولذة طعمها، فضلا عن أم الروبيان والروبيان الذي لا تجد مثيلا لكبر حجمه، فضلا عن سمك السلمون الشهير الطيب المذاق، هذا ويدلل البائعون كل من السمكة المنتقاة والمشترين والمتفرجين بمشهد تمثيلي رائع، يشترك فيه البائعون مع بعضهم البعض في الغناء بهز السمك ورميه من عال الى اعلى ومن بائع الى اخر، الى ان تستقر في يد البائع النهائي الذي يغلفها للمشتري. هذا ولا ينسى البائع ان يعطيك عرضا تقديميا عن السمكة، اسمها واصلها وفصلها بل وينادي المشتري كي يحملها بيديه قبل الشراء في متعة قلما تعادلها متعة. سوقهم "شبرة ثقافية" بممارساتها ونشاطها، ويقع على مقربة منها مواقع لبيع "الهدايا التذكارية"، فضلا عن احتواء "الشبرة" — التي تفصلها خطوات فقط عن فندق الفورسيزونز — على مطاعم عادية وسريعة وفاخرة مختصة بثمار البحر مما يجعلها اسلوب حياة متكاملا. سوق اسماكنا في قطر واجب لا نتجشم عناءه، بل نبعث بسائقينا له بهدف الحصول على سمك طازج لغداء لن يجتمع عليه سوى الجيل القديم. تذكرت قديما يوم أن كنا ندرس في الابتدائية أنشودة عن سمك الخليج تعلمنا وتحمل صورا لكل سمكة في كتاب الاناشيد، أذكر منها: ومنه البدح والشعري... ومنه الصافي والكنعد... ولا اذكر بقيتها حيث مسحتها ذاكرتي ولكن ما اذكره هو انني آتي من المدرسة فرحة عند وجبة "شلاني السمج" — لا حبا في السمك كأي طفلة — بل لأسال أمي ما هذه السمكة وما تلك؟ وتستغرب امي اذا فرحت لانها قالت: بدح او صافي.. وما ذلك الا لأخبر معلمتي صباح الغد ان ما حفظتنيه في الدرس شاهدت له مثالا حيا على مائدتنا. هنا يقع على عاتق عدد من مؤسساتنا في قطر الى جانب الاسرة واجب يتمثل في تحويل السمك وصيده وبيعه الى ثقافة وعلم في بلد قام عوده وصلب ابنائه عليه. وليست ثقافة بحرنا محدودة في الثروة السمكية فحسب، بل ثقافة سفن وأدوات الصيد وشباكه والمساكر والغزول... ونوع وكيفية تسفيط السمك وتنظيفه.. ثقافة النواخذ والصيادين وملبسهم وهويتهم، وحقوق الصيادين القطريين وضرورة دعمهم وتكوين جمعية خاصة لهم اسوة بالمهندسين والأطباء لحمايتهم من الاحتكار من فئات بعينها، ولإعادة "شبرة السمك" الى شكلها واسلوبها وثقافتها المعهودة. فهل سنجد تعليما واهتماما مؤسسيا وبيئيا يعكس ثقافتنا وتراثنا، وهل ستجد شبرة الاسماك وفرضها الساحلية في كل مدن قطر، من يحولها فنا ومعمارا ووظيفة ودورا ونشاطا، الى وجهة ساحلية ثقافية وتعليمية وسياحية ومعمارية؟ ◄ شكر وتقدير: أتقدم بخالص الشكر والتقدير لكل من: — الرئيس التنفيذي للمؤسسة القطرية للإعلام لتفاعله الايجابي مع ما طرح في مداد القلم بعنوان "لماذا تأخر تطوير تلفزيون قطر؟" — وللرئيس التنفيذي لشركة حصاد الغذائية ولعدد من موظفيها على تفاعلهم مع ما طرح في مداد القلم بعنوان "الأمن الغذائي في قطر من النفط الخام الى الأرز النثري" سائلين المولى القدير ان يوفق الجميع لما فيه خير هذا الوطن.