14 سبتمبر 2025
تسجيلاعتلى المنبر وهو يعلم عظمة الوقوف على منبر رسول الله، أعد الخطبة واعتنى بها كعادته، وبدأ بالحديث الذي يرويه أبو سعيد الخدري وأبو هريرة رضي الله عنهما مرفوعًا: «ما بعث الله من نبي ولا اسْتَخْلَفَ من خليفةٍ إلا كانت له بطانتان: بطانة تأمره بالمعروف وتَحُضُّهُ عليه، وبطانةٌ تأمره بالشر وتَحُضُّهُ عليه، والمعصوم من عصم الله»، ثم فصل في ذلك فجاء بالعجائب مما ورد في كتاب الله عز وجل عن البطانة، فذكر رؤيا الملك كما وردت في القرآن «وَقَالَ ٱلْمَلِكُ إِنِّىٓ أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَٰتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَٰتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَٰتٍ يَٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَأُ أَفْتُونِى فِى رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّءْيَا تَعْبُرُونَ»، الملك يقص رؤياه على بطانته ويطلب منهم تعبيرها، فيأتيه الرد «قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الْأَحْلَامِ بِعَالِمِينَ». لو استمع الملك لكلام بطانته التي استخفت بالرؤيا، فقط لأنها تجهل تأويلها، لحلت بمملكته كارثةٌ ولهلك الحرث والنسل، لكنه مع تكرار الرؤيا أصر على تفسيرها، فانبرى له رجل من عامة الناس كان يعمل ساقيًا في قصر الملك، لم يكن من البطانة المقربين، ولا مستشارًا للملك ولا عضوًا في البرلمان، بل كان مسجونًا مع سيدنا يوسف عليه السلام ثم ظهرت براءته فأفرج عنه كما جاء في نص الآية «وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ». ثم أورد خطيبنا قصة بلقيس عندما جاءها كتاب سيدنا سليمان «قَالَت یَـٰأَیُّهَا ٱلمَلَؤُا إِنِّی أُلقِیَ إِلَیَّ كِتَـٰب كَرِیمٌ إِنَّهُ مِن سُلَیمَـٰنَ وَإِنَّهُ بِسمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ أَلَّا تَعلُوا عَلَیَّ وَأتُونِی مُسلِمِینَ»، الملكة تخبر بطانتها بآخر المستجدات السياسية، هكذا كان التنظيم السياسي في اليمن قبل أكثر من ثلاثةِ آلاف سنة، ثم تستشيرهم: «قَالَت یَـٰأَیُّهَا ٱلمَلَؤُا أَفتُونِی فِی أَمرِی مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمرًا حَتَّىٰ تَشهَدُونِ». الكتاب من سيدنا سليمان الذي سَخَّر الله له كل شيء وآتاه ملكًا عظيمًا وجيشا جرارًا من الريح العاصفة والبشر وعفاريت الجن والدواب، فماذا كان رأي البطانة التي تجهل قوة سيدنا سليمان؟ «قَالُوا نَحنُ أُولُوا قُوَّة وَأُولُوا بَأس شَدِید وَٱلأَمرُ إِلَیكِ فَٱنظُرِی مَاذَا تَأمُرِینَ»، ولحكمة أرادها الله ثم لفطنة الملكة بلقيس امتنعت عن مواجهة سيدنا سليمان «قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ». وانظر إلى بطانة فرعون كيف يقلبون الحقائق ويحرضون على الشر والقتل «وَقَالَ ٱلْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِى ٱلْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ»، هكذا بطانة الشر في كل عصر تتهم المصلحين بالفساد، فماذا كان رد فرعون الطاغية الذي ادعى أنه الرب «قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَآءَهُمْ وَنَسْتَحْىِ نِسَآءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَٰهِرُونَ»، لكن النصيحة الحق جاءت من رجل من عامة الناس لو أخذ بها فرعون لما غرق في اليم «وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ» فجاءه رد الطاغية المستكبر «قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ». هكذا القرآن لا تنتهي عجائبه، وهذا ما اتسع به المجال..... إلى اللقاء.