11 سبتمبر 2025
تسجيلما زالت السيناريوهات المتوقعة والتي يمكن أن تحدث خلال الفترة المقبلة في التعامل مع ملف الأزمة السورية تتعقد وتتشابك، ورغم مرور قرابة الشهر على إعلان نظام الرئيس السوري بشار الأسد،(على مضض)، موافقته على خطة السلام السورية التي أطلقها كوفي عنان المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، والمرتكزة على ست نقاط لإنهاء الصراع المستمر منذ عام في سوريا بين نظام الأسد والمعارضة، إلا أن أعمال العنف ما زالت مستمرة في زعزعة استقرار البلاد خاصة مع الانفجارين الكبيرين اللذين ضربا مؤخرا دمشق وحلب، في حين ما زالت هناك تقارير حكومية سورية تتحدث عن الاعتداءات المتكررة على الجيش السوري في مختلف المناطق السورية. وأثارت الهجمات الأخيرة الكثير من الجدل حول إمكانية إيجاد حل للمشهد الدموي للانتفاضة السورية ذات الأربعة عشر شهرا عبر التركيز على الحل السياسي والدبلوماسي، وعلى ضوء عدم وجود أي بادرة لإنهاء الأزمة، سواء عبر التحركات السياسية أو الجولات الدبلوماسية، بما في ذلك خطة الوسيط الأممي كوفي عنان، لم يعد على طاولة الدول العربية والمجتمع الدولي سوى خارطة طريق واحدة لا غير، وهي اتخاذ موقف أكثر تشددا حيال هذا النظام، يتضمن الحل العسكري لإنهاء الأزمة. لقد أظهرت الإجراءات الحالية لنظام الرئيس السوري بشار الأسد في قمعه للاحتجاجات المناهضة له، تجاهلا سافرا لأحد أهم بنود خطة عنان، وهو وقف إطلاق النار والانسحاب من المناطق المشتعلة، بالإضافة لعدم تنفيذ السلطات السورية لكامل تعهداتها وفق بنود الخطة، وبذلك وضح جليا أن النظام السوري لا يفي بالالتزامات التي أخذها على نفسه حيال خطة كوفي عنان، ولا نية لديه للتنفيذ. فماذا يمكن أن يحدث بعد ذلك؟ وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إن الأوضاع في سوريا قد وصلت إلى "مرحلة لا تطاق" وأنه سيتم الإسراع في نشر مراقبين من الأمم المتحدة، في هذه الأثناء أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن فرنسا ستطلب من الأمم المتحدة التفكير في القيام بإجراءات أخرى تتضمن عملا عسكريا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إذا ما فشلت خطة السلام الدولية لوقف العنف، اصطفافا مع موقف الولايات المتحدة بشأن هذه القضية. ولكن، ورغم كل هذا الحديث حول التدخل العسكري، فإن المجتمع الدولي لم يتخذ سوى القليل جدا من الإجراءات، وحتى قرار فرض منطقة حظر طيران فوق سوريا، وهو أضعف الإيمان وأقل الحلول قسوة من بين جميع الخيارات العسكرية ضد سوريا، قد أثار الكثير من ردود الفعل المتباينة من قبل الكثير من الدول. كذلك أعلن حلف الناتو عدة مرات أنه لا يعتزم التدخل في سوريا، وجاءت تأكيدات الأمين العام، أندرس فوج راسموسن، في أكثر من مرة، باستبعاد التدخل العسكري لحل الأزمة السورية لاختلافها عن الحالة الليبية، ولعدم وجود تفويض مباشر من الأمم المتحدة، وأنه في حالة ليبيا كان هناك تفويض واضح من الأمم المتحدة وكان هناك تأييد من الدول الأعضاء في الحلف، وهو ما ليس متوافرا في الحالة السورية في الوقت الراهن، فضلا عن أن سوريا - حسب راسموسن - بلد أكثر تعقيدا، لذا فإن أي عملية عسكرية هناك يمكن أن تؤدي إلى صراعات كبرى ربما تقود إلى حرب أهلية، ولذلك يجب أن يكون هناك حل سياسي مع دور قوي لدول المنطقة. وفيما يواصل المجتمع الدولي انقسامه بشأن اتخاذ إجراءات عسكرية حاسمة ضد النظام السوري لإنهاء الصراع في سوريا، فإن المئات من المواطنين السوريين ما زالوا يُقتلون يوميا، حيث تقدر الأمم المتحدة عدد ضحايا الانتفاضة في سوريا بنحو 9000 شخص، بحسب آخر إحصائية لها في نهاية مارس الماضي، بينما يوجد في لبنان وحدها حوالي 24000 لاجئ سوري نزحوا بسبب القمع الدموي من قبل السلطات السورية، كما تسببت المأساة الإنسانية في سوريا في نزوح الآلاف من اللاجئين عبر الحدود مع تركيا التي أضحت ملاذا آمنا لنحو 25000 من اللاجئين السوريين، ومثلها في الأردن، وقدرت جماعات حقوق الإنسان والمنظمات الخيرية بأن أعداد القتلى واللاجئين تتجاوز هذه الأرقام بكثير، وسوف تستمر في الزيادة في ظل عدم وجود حل حاسم لنهاية الأزمة السورية. ومع عدم وجود تباشير حل ملموس تلوح في الأفق، كم هي كمية الدماء المطلوبة لتسفك وأرواح مواطنين أبرياء لتهدر في كل دقيقة، حتى يستيقظ المجتمع الدولي؟ وحتى يتخذ إجراءات عسكرية ضد النظام في سوريا؟ هل ينتظر المجتمع الدولي حدوث مجزرة أخرى مماثلة لتلك التي حدثت في كوسوفو، حينما كانت تتم عمليات اغتيال وارتكاب مجازر وأعمال قتل وتعذيب بشعة وإبادة جماعية وحشية لألبان كوسوفو على يد القوات الصربية، قبل أن يتخذ حلف شمال الأطلسي في نهاية الأمر قراراً بشن ضربات جوية في عام 1999 بعد فشل محادثات السلام؟ إذا ما المطلوب من الشعب السوري المغلوب على أمره؟ هل يواصل ثورته ضد النظام القمعي باعتبار أن انتصاره أمر محتوم ومؤكد؟ وأن الحرية للشعب السوري قادمة لا محالة ولكنها تحتاج إلى المزيد من الشهداء لأن أعداد من قضوا خلال الانتفاضة لا تكاد تكفي ثمن الحرية؟ إن تردد المجتمع الدولي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية يضع على عاتق هذه المنظمات الدولية كامل المسؤولية عن آلاف الأرواح السورية التي تم إزهاقها، لأنها - رغم جاهزيتها - لا تزال تراقب تفاقم النزاع في سوريا والذي سيودي بها إلى أتون حرب أهلية. إن غسل أيديهم في إناء القضية السورية ليس خيارا أخلاقيا، طالما أن أياديهم ما زالت ملطخة بدماء عدد كبير من السوريين الذين قتلوا خلال الانتفاضة. بجانب ذلك، فإن حق النقض الفيتو الروسي - الصيني بشأن قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والذي دعا الأسد إلى التنحي، وهذه المواقف المتباينة إزاء اتخاذ إجراءات عملية للتدخل العسكري ضد سوريا، لاسيَّما من جانب الدول الغربية القوية النفوذ، يمكن تفسيرها بأن هذه الدول منشغلة حاليا بقضايا الانتخابات الداخلية، فالولايات المتحدة على وشك إجراء انتخابات رئاسية، في حين أن بريطانيا قد أنهت مؤخرا انتخاباتها المحلية، كما انتخبت فرنسا للتو رئيسا جديدا لها هذا الأسبوع خلفا للرئيس السابق نيكولا ساركوزي، الذي كان من الداعمين لخيار العمل العسكري في ليبيا، والذي يعتبره الجميع حلا سحريا مكن الشعب الليبي من انتزاع حريته وخلاصه من النظام الدموي البائد رغم الخسائر في الأرواح. وكان الرئيس الفرنسي المنتخب حديثا فرانسوا هولاند قد صرح خلال حملته الانتخابية أنه يؤيد القيام بعمل عسكري ضد سوريا، طالما أنه يقع ضمن إطار الأمم المتحدة. يبقى علينا أن ننتظر لنرى ما إذا كان فعله سيطابق قوله ووعده. ومن خلال مواقف الإدارات الحالية لهذه الدول القوية، فإنه يتضح لنا أمران لا ثالث لهما، إما أن تكون هذه الإدارات غير راغبة في اتخاذ مثل تلك القرارات الخطيرة التي ربما أن تعرقل مجهودات ترشحها في الانتخابات الجارية، أو أن هذه الإدارات قد تم انتخابها حديثا وتربعت للتو على قمة هرم السلطة ولم يجف بعد حبر بطاقات ناخبيها وتحتاج إلى وقت لتثبيت دعائم حكوماتها. وطالما أن هذا هو حال الدول الكبرى ذات النفوذ، فإن إمكانية بوادر حل الأزمة السورية، لاسيَّما عبر الخيار العسكري، لن تلوح في الأفق قريبا خاصة أن الإدارات الحالية في هذه البلدان إما أنها لا تزال غير واثقة من إمكانية فوزها في الانتخابات الجارية حاليا، أو أن عليها بذل المزيد من الوقت من أجل تحقيق الاستقرار لحكوماتها المنتخبة حديثا. إنه من المعيب أن نشهد انقساما بين الدول من أجل مصالحها السياسية وأجنداتها المرحلية ومساوماتها على كراسي السلطة ونفوذها السياسي. ومع كل ذلك، فإن محاولات تجنب إصدار قرار حاسم باتخاذ إجراءات عسكرية لحل الأزمة السورية، من أجل الفوز في الانتخابات، هو عمل تجانبه الحكمة والعقل والشجاعة السياسية والأخلاقية، والطبيعة الديناميكية للأزمة السورية تعني أن هناك "لاعبين" يريدون الاستفادة من الوضع، وفي الوقت الذي ستقرر فيه الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية القيام بعمل عسكري في نهاية الأمر، فإنها ستكون قد وضعت نفسها في وضع حرج وغير موات، إذ سيكون من الصعب عليهم بعد ذلك كسب ثقة واحترام شعوب الدول، ناهيكم عن احترام الشعب السوري، حيث سينظرون إلى هذه المؤسسات باعتبارها غير فعالة وليس لها أي سلطة حقيقية أو أهمية تذكر على أرض الواقع. وفي أثناء ذلك، سيظل السوريون يقدمون المزيد من شهدائهم وسيستمر العالم كذلك في المشاهدة. إن الحديث عن أن التدخل العسكري في سوريا ربما سيؤدي إلى حرب أهلية يمكن أن يطول أمدها ليس مبررا كافيا لرفض الخيار العسكري لحل الأزمة السورية، لأن استمرار الوضع الحالي سيؤدي إلى حرب إبادة شاملة. ولقد أثبت تاريخ الربيع العربي الحديث أن أنظمة القمع التي تقتل شعوبها من أجل نزوة البقاء في السلطة، لم تعد تجدي معها أي حلول أو حوارات دبلوماسية.