18 سبتمبر 2025

تسجيل

شعارات فلسطين في الربيع العربي

10 مايو 2012

لفت انتباهي مقال لأحدهم يقول فيه: إن فلسطين غابت عن شعارات الجماهير في دول الربيع العربي. والواقع أن المقال المذكور لا يقرأ الواقع بمنظار صحيح، فالقضية الفلسطينية ومنذ بدء الاحتلال البريطاني لفلسطين وما قبل ذلك وفي التحضير لإنشاء إسرائيل وبعد إنشائها وحتى اللحظة، فإن الجماهير العربية لم تنس القضية الفلسطينية باعتبارها مسألة مركزية وأولوية بالنسبة إليها، وكثيرون من العرب من المحيط إلى الخليج قاتلوا جنباً إلى جنب مع الفلسطينيين في ثوراتهم في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الزمني الماضي، وفي سبعينياته بعدما انطلقت الثورة الفلسطينية الحديثة. وإلى جانب الشهداء الفلسطينيين على مر تاريخ الثورة الفلسطينية هناك شهداء عرب كثيرون ضحّوا بأرواحهم في سبيل فلسطين. قضية فلسطين وتبني تحريرها كانت إلى زمن طويل باروميتراً لاقتراب أو ابتعاد هذا النظام العربي أو ذاك من جماهير شعبه، وكان حكم الشعب على هذا الزعيم العربي أو ذاك مرتبطاً من حيث وطنيته أو عدمها بتبني شعار تحرير فلسطين.  بالطبع ظروف كثيرة ومتغيرات عديدة طرأت على القضية الفلسطينية وعلى الواقع العربي أيضاً ساعدت على ما يوحي بأنه ابتعاد للجماهير العربية عن القضية الفلسطينية ولعل من أبرزها: الخلافات البينية العربية ووصول التناقضات بينها إلى حرب مسلحة أو احتلال بلد عربي لآخر (كما حدث للكويت) وتأثيرات ذلك على ارتفاع وتائر القطرية العربية وصولاً إلى حد الانغلاق فيها. فشل الوحدة العربية بين مصر وسوريا والذي أدّى إلى الانفصال في عام 1961 وغيرها من التجارب، هزيمة 67 بما عنته من فشل لتجربة التحرير الناصرية، فشل القوى الوطنية والقومية العربية في تحقيقها للوحدة، الأمر الذي وشى عن عدم واقعية شعاراتها، وفي كثير من الأحيان فشل الحزب الواحد في تحقيق الوحدة بين قطرين بعد تسلمه لمقاليد الأمور فيهما، بدء التراجع الرسمي الفلسطيني عن الحقوق الوطنية الفلسطينية. منذ برنامج النقاط العشر وتطور هذا الأمر إلى المناداة بحل الدولتين. والمساومة على الحق التاريخي للفلسطينيين في كل الأرض الفلسطينية من النهر إلى البحر وصولاً إلى اتفاقيات أوسلو وما تلاها.  أيضا من المتغيرات: خروج الدولة العربية الأقوى من الصراع العربي-الصهيوني والاتفاقيات والمواثيق التي جرى توقيعها بين بعض الدول العربية وإسرائيل. ومن الأسباب أيضاً بدء ممارسة التطبيع من قبل بعض الحكومات والفضائيات العربية وإدخال الإسرائيليين إلى بيوتنا حيث أصبح من الطبيعي لدى الكثيرين مشاركة الإسرائيليين في برامج سياسية عربية، أو حتى أنهم يمشون في شوارعنا وأن منتوجاتهم تصل إلى الكثير من الأسواق العربية. زيادة المعاناة لمعظم الجماهير العربية من الوضع الاقتصادي لها وفق الغلاء المتصاعد وارتفاع نسبة البطالة بين العمال والخريجين الجدد من الشباب العربي، حيث إن رب الأسرة العربية أصبح بحاجة إلى جهد كبير وساعات عمل كثيرة من أجل تدبير قوت عائلته، انهيار الاتحاد السوفيتي وتحكم القطب العالمي الأوحد في السياسات الدولية ومحاولته الحثيثة لقلب مفاهيم التحرر والثورة والمقاومة وغيرها إلى مفاهيم الإرهاب حيث باتت المقاومة عبارة عن تهمة.  هذه المتغيرات الموضوعية وإلى جانب العوامل الذاتية والتي أبرزها: تقصير القوى والأحزاب والمؤسسات النقابية وكافة أشكال التجمعات الأخرى في تعزيز الفهم للضرورة القومية والفشل في تقوية طبيعة الارتباط العضوي بين الجانبين الوطني والقومي وبما يؤسسه ذلك من تنمية للشعور القومي في ذهنية المواطن العربي على طريق تحقيق الوحدة العربية أو حتى تحقيق تكاملها في هذا المجال أو ذاك من المجالات الاقتصادية (وهذا السبب الأخير بفعل النظام الرسمي العربي الذي تزداد الميول القطرية لديه). فقط الجانب المتكامل والذي يجري فيه التنسيق على أفضل وجه هو اجتماعات وزراء الداخلية العرب، بحيث مهما اشتدت الخلافات البينية العربية يظل الاجتماع المذكور هو الاجتماع الأكمل والأتم على صعيد التنسيق العربي.  ورغم كل تلك الظروف المحبطة والقاتلة إلى حد كبير للشعور القومي العربي، لم ينجح التطبيع الذي حاولت إسرائيل تفعيله مع الجماهير الشعبية المصرية ووقفت المؤسسات النقابية والأحزاب الوطنية المصرية ضد التطبيع والذي لم ينجح إلا مع الأجهزة الرسمية للنظام وعلى ذلك قس بالنسبة لبعض الدول العربية الأخرى.  بالنسبة لدول الربيع العربي والأخرى التي تمر بإرهاصات، فمن الطبيعي أن بداية الحركة الجماهيرية العربية ستنصب على شعارات التغيير الداخلية وعلى الوضع الاقتصادي فيها، لكن من الضروري القول أيضاً: إنه وفيما يتعلق بالسياسات الخارجية لهذه الحركات (ولا نقول الثورات فهي لم تستكملها بعد) فإن شعاراتها المرفوعة تمثلت في تحقيق سيادة الدولة وعدم الارتباط بالهيمنة الغربية وبالأمريكية تحديداً، وفيما يتعلق بإسرائيل فإن هذه الحركات انطلقت من العداء لها والوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية وعموم القضايا الوطنية العربية. علينا ألا ننسى وقفة الشعب المصري (كما الشعوب العربية الأخرى) مع المقاومة الفلسطينية في العدوان الصهيوني على قطاع غزة في عامي 2008-2009، والمطالبة بفك الحصار عن قطاع غزة، والمطالبة بإلغاء اتفاقيات كمب ديفيد وكافة الاتفاقيات التجارية الأخرى المعقودة مع إسرائيل، تفجيرات الأنابيب التي توصل الغاز للدولة الصهيونية، الضغط من أجل إلغاء اتفاقية الغاز (وبالفعل ألغتها الحكومة المصرية)، محاصرة السفارة الإسرائيلية في القاهرة واقتحامها، المظاهرات الجماهيرية والمسيرات إلى الحدود مع فلسطين في الدول المحاذية لها في المناسبات الفلسطينية، وغيرها من المظاهر وعلى ذلك قس في الأقطار العربية الأخرى.  وعلى صعيد آخر، ومن الزاوية الموضوعية البحتة، فإن هذه الحركات الاحتجاجية افتقدت إلى التنظيم والرأس القيادي لها، وعملياً فإن كافة الأحزاب الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية في هذه الدول لم تخطط لمثل هذه الانتفاضات ولم تكن في برامجها أصلاً، اعتقدتها بأنها محدودة الأهداف، لذلك سعت هذه الأحزاب والحركات إلى قضايا مطلبية محدودة. لكن هذه الحركات فاجأت الأحزاب والقوى بمطالبها التغييرية، وبالفعل كان التغيير، لكنه المحدود شكلاً في رأس الهرم، مع بقاء الآلة القديمة لهذه الحكومات على حالها، بدليل أنه وحتى هذه اللحظة فإن الاحتجاجات الجماهيرية في مصر (على سبيل المثال لا الحصر) ما زالت في أوجها من خلال تجمعها في ميدان التحرير، وما زالت تطالب بتسليم السلطة من المجلس العسكري إلى المدنيين. أيضاً فإن التابعين للأنظمة السابقة ما زالوا يعملون على إرجاع العجلة إلى الوراء. والمقصود القول: إن هذه الحركات الاحتجاجية لم تصل إلى مستوى الثورات.  من ناحية ثانية، فإن الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة لم تقف مكتوفة الأيدي تجاه هذه الانتفاضات بل حاولت ولا تزال احتواء هذه الانتفاضات والحد من اندفاعاتها الثورية. وذلك تم من خلال الحوارات المكثفة مع القوى الأبرز التي أفرزتها صناديق الاقتراع في هذه البلدان، وتحديداً مع القوى الإسلامية. الغرب وتحديداً الولايات المتحدة استهدفا من الحوار مسألتين: عدم رفع شعار العداء لهما، وعدم المس بالاتفاقيات المعقودة بين بعض هذه الدول وإسرائيل (كاتفاقية كمب ديفيد مع مصر). وبالفعل الحوارات حققت للغرب وللولايات المتحدة ما استهدفاه من الحوار.  بقي القول: إن الجماهير العربية لم تنس ولن تنسى الشعارات المتعقلة بفلسطين وتحديداً تحريرها من العدو الصهيوني. الموضوع مطروح للنقاش وإبداء الرأي.