13 سبتمبر 2025

تسجيل

كيف تفقد الأصدقاء؟

10 مايو 2011

ما أكثر ما يصادف الإنسان في تعامله مع الناس حوله من اختلاف في شخصياتهم، وما أعجب كيف يجد الإنسان نفسه وقد اتجه دون أن يشعر للشخصية التي بينها وبينه أشياء مشتركة، وائتلاف يصنعه التعامل والحوار. عندما كنت في المرحلة الابتدائية، كان من أكثر ما يضايقني في إحدى زميلات الفصل، التي أصبحت أحب أن أجلس معها نتحدث ونلعب في وقت الراحة، انها كانت ذات شخصية غريبة، هي ما كرهته فيها وأصبحت بعدها ابتعد عنها. فقد كانت تأتي يوما مرحبة وصاخبة، ابتساماتها ملء الفم، وضحكها يملأ المكان، وتأتي في يوم آخر وبلا سبب تشيح بوجهها لا تريد أن تلقي تحية الصباح، وقد عقدت جبينها ولا تريد أن تتحدث مع الجميع. وقد كان شيء في داخلي وأنا طفلة صغيرة يرفض هذا الأسلوب المتقلب ويكرهه، ويشعر بالإهانة منه، وأصبحت لا أستطيع بطريقة آلية أن أتعامل معها، وأتجنب صداقتها، إلى أن فرقتنا الحياة، ولم أعد أراها. وعندما كبرت عرفت معنى تصرفاتها الغريبة التي لم أعرف تفسيرها سابقا، وإنها صفات للشخصية المزاجية، لأني عرفتها فيما بعد في الحياة الجامعية والعملية. وما أسوأ أن يكون الإنسان عبدا لمزاجه، يتحكم فيه ويجعله يفقد من حوله بشخصيته المليئة بالتناقضات، التي يريد منها أن يطبق حالته المزاجية على غيره، ويطلب من الآخرين أن يستمعوا لمبادئه ومثاليته يوما، ليأتي في اليوم الآخر ويقلب كل الموازين السابقة، ويتوقع من الآخرين أن يكونوا دائما على استعداد لاحتماله، خاضعين لمقياس درجة مزاجه. وقد أثبتت لي الأيام بعد ذلك، أنه من الصعب جدا التعامل مع الشخصية المزاجية، إلا إذا كانت تتعامل مع نفس طبيعتها. والغريب أنه بعد أن عادت الأيام وجمعتني بزميلة الطفولة تلك، والتي كادت لتصبح من أعز الأصدقاء، لولا تقلبها ومزاجيتها، ومع التعامل معها في مجال العمل أيضا، وجدت أن الحياة لم تغيرها أبدا رغم طيبتها، وان تناقضها ومزاجيتها إنما كبرت معها لتنصب نفس الحاجز القديم بيني وبينها، وعدت لا أستطيع أن أدرجها ضمن الصديقات. ووجدت أنها للأسف لم تكون في حياتها أي صداقات حقيقية، وإنما هشة ووقتية، وهذا ما حكته لي في أحد الأيام بأسى، وكنت في داخلي قد عرفت السر في ذلك. ومن السييء أن يطفئ الإنسان بريق حديثه وحضوره بعدم قدرته على التحكم في مزاجه وانفعالاته، الذي يعتبر سرا من أسرار جمال الشخصية وقبولها. فقد رأيت أيضا من يعانون ما لا يطاق من المشاكل والهموم، ووجدتهم دائما يقدمون ابتساماتهم ويستطيعون أن يسيطروا على انفعالاتهم ويفصلوا بين همومهم ومشاكلهم، وبين تعاملهم مع الآخرين. وقد يحدث أن تؤثر بعض الأمورعلى نفس الإنسان ومزاجه بقوة فالحياة لا تخلو من ذلك، بل وتجعل من حوله يتعاطف معه، لكن أن يتخذ البعض ذلك عادة وأسلوب حياة ليصب جام تقلبه على الغير، فهذا ما لا يستطيع الغير احتماله. فنحن لسنا مضطرين لمجاملة من يمارس علينا مزاجيته، ويجدنا أرضا خصبة لها، وعلى الإنسان أن يسأل نفسه دائما عن السبب الذي يجعله لا يستطيع أن يكسب من حوله ويتواصل معه، وقد يكون أقرب الناس إليه. وعلى من يعرف نفسه بهذه الصفة خاصة بأنني رأيت من يعترف بذلك، أن يحاول أن يسيطر على مزاجيته، ويدرب نفسه على التخلص منها، وسيشعر بالفرق عندما يتقبله الغير أكثر، ويولي لحديثه وآرائه اهتماما أكبر،عندئذ سيشعر بمتعة الرفقة والصداقة الحقيقية، وسيحرص كل الحرص على ألا يفقدها. يقول أحد الحكماء: (أتعس الناس من كان بلا صديق، وأتعس منه من كان له صديق وخسره ). [email protected]