19 سبتمبر 2025
تسجيلعندما يرغب الإنسان في إنجاز معاملة لتسيير شؤونه يتبادر إلى ذهنه بشكل سريع وتلقائي شريط المعارف والأقارب والأصدقاء وربما يعود ذلك إلى جلب الاطمئنان النفسي لإنجازها سواء ارتبط ذلك بالتوقيت وأعني السرعة في الإنجاز أو في تسهيل مرورها، وباتت كلمة (تعرف أحد) متداولة بشكلٍ يفوق الوصف فما أن يفكر الإنسان في قضاء حاجة معينة، أو تخليص معاملة بسيطة ربما لا يستغرق إنجازها دقائق معدودة إلا ويبادر بسؤال يتردد مراراً وتكراراً (تعرف أحد) حتى لو كان فتح حساب لدى أحد البنوك، أي أن المستفيد من فتح الحساب هو البنك وليس العكس، هذا الاتكاء المخجل على هذه الاسطوانة المشروخة التي شبعت شرخاً إلى درجة أصبحت تعقُد من يستعين بها، بمعنى أن المعاملة ستمر بيسر وسهولة لو أنه تقدم بأوراقه في ظل النظام وإتباع التعليمات والإجراءات أما لماذا؟ فدونك الجواب وهو حينما تكون المعاملة مرفقة بتوصية أو ما شابه ذلك وغالباً ما تكون هذه التوصية شفهية، لأن النظام لا يفرق بين قريب أو بعيد بهذا الخصوص، أي أن مسألة الإبطاء وتأخير إنجازها، يعني أن الموظف بذل جهداً كبيراً لكي يتجمل أمام صاحبه لتكبير هذا الإنجاز الفريد، وهو لا يعدو عن كونه كبسة زر حروف جر خيبته على مفاتيح الحاسب الآلي (وانتهى الموضوع) في حين أن الإدراك المحدود وتقلص مساحة الوعي وعدم الإلمام بالحقوق والواجبات بات يشكل عائقاً صلداً أمام عوائد التطوير والتحديث للأنظمة على نحو يجعل الموظف يهمل أداء الواجب المنوط به فيما يكون البعض من شاكلة هؤلاء الموظفين البؤساء متخصصا في تلقي المكالمات من الأقارب والأصدقاء ليشعرهم بأهميته وأهمية موقعه بمعنى أنه مارس تعلم هذا الانتكاس المهني عن قرب أو بُعد لا يهم، ناهيك عن أننا نشجعهم على ذلك حينما نطلب منهم بأن يتفضلون على الناس على حساب أداء واجبهم، ومهما احترف هؤلاء المتاجرة بأوقات الناس ومشاعرهم عبر هذا التسلق التعيس، فإن هذا الصنف يعاني من أزمة ثقة بالنفس مما تسبب في إسقاط الإحساس بالمحتوى الفكري والأخلاقي وبالتالي فقدان القيمة المعنوية للمسؤولية وهكذا شيئاً فشيئاً فيخيل إليه بأن لا قيمة له إلا إذا اتصل عليه فلان وعلان، وهكذا يكون التعويض الارتدادي، أو بمعنى أدق ملء هذا الفراغ بممارسة هذه الأساليب ومن جهة أخرى ضعف التأسيس لمدى أهمية القيم واتساقها مع الأطر المحفزة لبناء الشخصية من تكريس للاعتبار بقيم العطاء والإنتاج وتفعيل جانب خدمة الناس وخير الناس انفعهم للناس، حينئذٍ سيكون صدق مع نفسه في الوقت الذي سيمنحه هذا الشعور اعتزازاً بإرادته المستقلة وسلك الطرق الصائبة، وخلاف ذلك فإن جزء من هذه المعضلة يكمن في إسهامنا نحن في تكريس هذا المفهوم البائس (تعرف أحد) من خلال تداوله بكثرة والتعاطي معه أيضاً بما يوحي بأن الأنظمة معقدة وليست سهلة ويسيرة وآلاف المعاملات تُنجز يومياً، فإذا كانت التقنية تستجيب للجانب المرن بهذا الخصوص من خلال الاتصالات الهاتفية على سبيل المثال (لقد تعثر مرور مكالمتك فضلاً حاول مرة أخرى) فلماذا لا تحاول مرة أخرى إذا ربطت معاملتك فرامل وآثرت الانبطاح والتسدح في أدراج المتقاعسين، وفي مقابل ذلك فإن عدم إنجاز معاملتك طالما أن مستنداتها مكتملة يوحي بخللٍ في التطبيق لا النظام فلا تقف مكتوف اليدين ولا تبحث عن فلان وعلان فللقسم مدير ومدير القسم أيضاً له مدير والمدير له مرجع وهكذا، والمسؤولون لم يكونوا إلا عوناً للمواطنين في قضاء مصالحهم، من هذا المنطلق فإن تفعيل الثقة بالنظام واستيعاب الإجراءات سيكبح جماح أصحاب النزوات وسيقطع الطريق على المفسدين، في حين أن التراخي واستمرار طلب الفزعات من هؤلاء البهلوانيين سينشئ أرضاً خصبة لاستشراء الفساد والوقوع في المحظور من رشاوٍ وهدايا وما إلى ذلك من مسببات الهلاك القيمي، والأمر الأخر فإن إزالة هذه الترسبات البيروقراطية يكمن في الاهتمام بعامل الوقت واعني وقت الإنجاز بمعنى أن الجهاز الرقابي يستطيع من خلالهما الربط بين تاريخ تقديم المعاملة وإنجازها وبالتالي فإن التراخي سيولي الأدبار طالما أن هناك معايير محددة لتحقيق الأهداف،وهكذا يتحقق الكثير من الجوانب الإيجابية وسيسهم كذلك في تفعيل الحرص على الأوقات فضلاً عن محاصرة المنافع المستترة الدافعة لارتكاب التجاوزات، واذكر في إحدى المرات أن صديقاً جاءني وسألني السؤال الذي أصبح أشهر من نار على علم فقال تعرف أحد في الوزارة الفلانية فقلت له نعم اعرف الوزير فانبسطت أساريره وابتسم ابتسامة ربما تكون أقوى ابتسامة في حياته فبادرته بسرعة صواريخ توما هوك قائلا المشكلة أن الوزير ما يعرفني.