10 سبتمبر 2025

تسجيل

التفاهة في العروق

10 أبريل 2023

قيل إنّ «التفاهة فنّ». أمّا الفاعل فهو «تَفِهَ». وتوافه الأمور، أي الانشغال بما لا قيمة له. والتفاهة في مفهومها تختلف عن الكوميديا وإن حاول عدد من صانعي المحتوى الادعاء بأنّها جزء من المرح، أو أداة تستخدمها الكوميديا للتخفيف من وطأة ضغوطات الحياة اليومية. وإذا كانت الكوميديا دواء، فالتفاهة داء. هذا الداء يظهر في حياتنا اليومية بأشكال متعددة، وأثواب مختلفة، ودرجات متقدّمة، لا يصيب الأفراد، وإنما يفتك أيضًا بالمجتمعات، وقد وصل العالم إلى مرحلة تُعرف بـ»مأسسة التفاهة» ونشرها كثقافة، بل كنماذج اجتماعية واقتصادية وسياسية وإدارية، وتُنفق الأموال لاستقطاب المتخصصين في تلميع التفاهة، وتحديد إمكانيات كلّ فرد في نشر التفاهة، ومرونته للوصول إلى أقصى قدر ممكن من مجاراة الآخرين. وفيما يلي بعض الأمثلة على ذلك، نبدأها في النقاشات التي انقسم فيها مؤيدو ومعارضو دخول القطة إلى المسجد أثناء تأدية إمام جزائري صلاة التراويح. نعم، من المنطق أن يكون لكلّ حالة أو ظاهرة آراء مختلفة، بل ومتناقضة، ولكنّ من التفاهة ألا ترى جمالية هذا المشهد الإنساني وأن تنشغل بنوع القطة. من الجزائر إلى نمور السياسة في لبنان الذين يتسابقون على شغل منصب الرئاسة دون برامج سياسية معتمدين في خطابهم إلى العالم على تصريحات «قال الرئيس الأجنبي إلى فلان الذي بدوره نقل لنا عن تأييد علاّن، ولكنّ سمعان حاول تعطيل الإعلان». مثال آخر في التفاهة الإدارية، يبرز في الطلب من الموظفين النشطين والمنتجين التخفيف من العطاء والإنتاجية، والصمت في الاجتماعات المفصلية، كي لا تُجرح مشاعر الموظفين المتقاعسين المُهملين، وذلك تحت مسمى تحفيز الآخرين وأهمية دمج الصالحين بالطالحين، أو أن يقول رئيس لمرؤوسه: «الموضوع ليس في جودة العمل والإنتاجية، وإنّما في النجاح بالدخول إلى اللعبة». إذا كانت التفاهة فنّا أو لعبة، لا أرى أنه بإمكان أي شخص أن يتعلّمها، إن لم تكن لديه مهارات التفاهة في عروقه منذ الولادة أو في تربيته منذ الصغر. فقد عرّف قاموس المعاني التفاهة بأنها أبعد ما يكون عن كل ذي قيمة، وأنها ترادف الحقارة والدناءة أو نقص القيمة والإبداع، ولا يُمكن اكتساب الدناءة، والاستمرار فيها، والفوز بها، إذا لم يكن الأصل هكذا. لا ألوم التافهين، ولكنّ العتب على أصحاب القيمة الصامتين.