31 أكتوبر 2025

تسجيل

لُحمة المجتمع والمصاب واحد

10 أبريل 2022

يقول المولى عز وجل في محكم التنزيل في سورة البقرة (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، في مساء الإثنين الماضي انتقلت إلى رحمة الله "أم غانم" والدتي الحبيبة أسكنها الله فسيح جناته وألهمنا الصبر والسلوان، ولعل أكثر ما واسانا في مصابنا الجلل هذا ما رأيناه من رحمة الله التي جعلت أفئدة من المعزين تتوافد لتقديم واجب العزاء رجالاً ونساء شيوخاً وشباباً والذي عكس بحق مدى الرحمة والتواصل الذي جُبل عليه أهل قطر الكرماء الأجلاء. فقد توحد أهل قطر في مشاعرهم وأحاسيسهم عند نزول البلاء، فجمع مجلسنا المتواضع خلال العزاء وبدون مبالغة جميع أهل قطر بعوائلها وقبائلها ومقيميها، فلا تكاد تشوح بنظرك يمنا ويسرا حتى ترى "أخو دنيا" كما يقول "شيبانا" أو ابن عم أو نسيباً أو صديقا أو زميل دراسة لم تره منذ عقود من الزمان أو جاراً يذكرك بجيرته منذ الطفولة، فتختلج في صدرك مشاعر الفرح والحزن والحنين والحب، وتهيج أحاسيسك بين دمعتين دمعة فرح بقدومهم ودمعة حزن على فراق من فقدت. رحم الله شيباننا وأمهاتنا الذين أسسوا مجتمعاً قوياً متلاحماً في السراء والضراء، وكأنهم تربوا وربوا مجتمعاً ينطبق عليه قول المصطفى صلوات الله وسلامه عليه "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" (أخرجه الشيخان). ولعل الكلمات والمفردات والأساليب البلاغية تقف عاجزة عن وصف حقيقة هذه اللحمة، فمهما حاولت وصف التراحم والتلاحم بين أهل قطر بعبارات رنانة ومفردات جذابة سيبقى وصفي ناقصاً وقاصراً، فلأهل قطر تاريخ طويل وعريق في التلاحم والتعاضد سطره أجدادنا وآباؤنا وأمهاتنا، وإن شاء الله سيستمر ببركة المولى عز وجل، فحسن تربيتنا لأبنائنا وبناتنا سيغرس في نفوسهم التواد والتراحم لحمل هذه الرسالة العظيمة، وإني أتوسم خيراً في أبنائنا وبناتنا الذين بحق هم خير خلف لخير سلف إن ربيناهم على أخلاق وقيم المجتمع القطري التي تنبع من معين قيمنا الإسلامية. وختاماً أقول: لكل من فقد عزيزاً وغالياً في هذا الشهر الفضيل، عن عائشة رضي الله عنها قالت: فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم باباً بينه وبين الناس أو كشف ستراً فإذا الناس يصلون وراء أبي بكر فحمد الله على ما رأى من حسن حالهم، ورجاء أن يخلفه الله فيهم بالذي رآهم فقال: يا أيها الناس أيما أحد من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعز بمصيبتي عن المصيبة التي تصيبه بغيري، فإن أحداً من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشد عليه من مصيبتي. (قال الشيخ الألباني: صحيح). أما من ما زال والداه أو أحدهما على قيد الحياة وكتب له أن يقرأ مقالي هذا فأنصحه بأن يصلهما ويقبل أقدامهما وأيديهما ورأسيهما وهم أحياء قبل أن يقبلها وهو يواريهما الثرى.