11 سبتمبر 2025

تسجيل

كاروشي!

10 أبريل 2019

في إبريل عام 2014م، سقط ( جوي توناج ) البالغ من العمر 27 عاماً على أرضية عنبر بأحد المصانع الموجودة بوسط اليابان بعد إصابته بأزمة قلبية، ليموت في الحال، وذلك عقب انتهائه مباشرة من العمل لساعات إضافية، لينضم بذلك إلى ضحايا ( كاروشي ). ( كاروشي ) وهو الاسم الياباني الذي يطلق على ظاهرة الموت المفاجئ الناتج عن العمل لفترات طويلة تحت ضغوط هائلة، وهو ما يصاحبه توتر يؤدي إلى حدوث نوبات قلبية وسكتات دماغية أو اكتئاب يعزز من الرغبة في الانتحار، ففي كل عام تضيع أرواح الآلاف من اليابانيين بسبب الإفراط في ساعات العمل. والأمر العجيب أنه في غير اليابان، تُبذل الجهود، وتُنفق الأموال، وتُرهق الألسن والأقلام حثّاً للشباب على العمل، فلا يُقبل بعضهم عليه إلاّ وهم كارهون، بعد أن (أدمنوا) الراحةَ، وإن التحقوا بوظيفة فلا يعطونها إلا النذر اليسير من الجهد، غير مكترثين بأهمية الوقت. وحقيقة الأمر إن كلا الموقفين شطط وتجاوز ومخالفة للطبيعة البشرية، وما أحكم ديننا حين يضع لنا القاعدة المبدعة في (فن إدارة الوقت ) عندما قال سلمان لأبي الدرداء – رضي الله عنهما -: (إنَّ لربِّكَ عليك حقًّا، وإنَّ لِنَفسكَ عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ، فأتى النبي عليه الصلاة والسلام فذكرَ ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( صَدَقَ سلمانُ ) أخرجه البخاري. بل وذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك حين اهتم باللحظة والثانية، واعتنى أيما اعتناء بالوقت الذي يمر على الإنسان، فيقول سيدنا عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ( إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة ). وكذلك يأمرنا أن نوقف نزيف أعمارنا، فلما سمع عكاشة أن سبعين ألفا سيدخلون الجنة بغير حساب، أسرع فقال: يا رسول الله، ادع الله أن أكون منهم، قال: ( أنت منهم )، فقال آخر: ادع الله أن أكون منهم، فرد النبي الكريم: ( سبقك بها عكاشة )، وكأن الرسالة التي يريد الرسول إيصالها: ( بين دخول الجنة بغير حساب، وبين التعرض للحساب والمساءلة لحظة واحدة، هي التي كانت بين استثمار عكاشة رضي الله عنه للَحظة وسبقِه لصاحبه ). وهكذا الأمور مع الله تفرق فيها اللحظة، وتؤثر فيها التسبيحة، وتُقدم المرء أو تُؤخره دعوة أو دمعة أو لحظة تردد، فعبدالله بن رواحة - رضي الله عنه - تأخر سريره عن سريري صاحبيه في الجنة مع أنه استشهد معهما يوم مؤتة لأنه تأخر عن صاحبيه في التقدم بضع دقائق، فكيف بالمتأخرين أزمانا ؟! وأشد الناس ندماً في الآخرة هم المهدرون لأعمارهم - حتى وإن دخلوا الجنة -، فبين الدرجة والدرجة في الجنة قراءة آية واحدة، وبينهما في العلو مسيرة خمسمائة عام، فأعمارنا تحسب بالأنفاس، والجنة غراسها ( ذِكر) لا يتعدى طرفة عين. فما أجمل الإقبال على الخير، واستثمار كل لحظة في العمر.