13 سبتمبر 2025
تسجيلتنعكس المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع العربي حاليا انعكاساً واضحا على اللغة العربية السائدة الآن،وليس هذا بغريب فاللغة – في أي مجتمع- هي وعاء ثقافته التي تتكون بدورها من كل ما يشتمله المجتمع من أفكار ومثل وقيم وإبداعات.والأصل أن اللغة القومية – أية لغة – هي أداة تواصل اجتماعي محايدة، ترتقي بارتقاء أهلها وتخضع للسيطرة عندما يخضع أهلها للسيطرة. بمعنى أن العامل الحاسم الذي يحدد (أو يهدد!!) مستقبل اللغة القومية ليس سماتها اللغوية الخاصة من نحو وصرف ومفردات، وإنما: تلك المنظومة الثقافية والاقتصادية والسياسية التي تنتمي إليها اللغة. ولنتذكر في هذا السياق مكانة اللغة العربية كوعاء للعلوم الحديثة عندما كانت السيادة السياسية والعسكرية والثقافية والاقتصادية لأهل اللغة العربية قديما. واللغة العربية هي إحدى اللغات الحية التي تمتاز بثباتها ورسوخها عبر التاريخ وفي ظل التغيرات المعاصرة وتمر بالعربية في وقتنا المعاصر بأزمات نتيجة تأثرها بالوضع السياسي والاجتماعي العام المنتشر في وطننا العربي والنزاعات بين الدول المتجاورة والنزاعات الداخلية وبروز العصابات القبلية، إلا أنها لغة واحدة طيلة هذه القرون، وإذا أردنا النظر إلى هذه الإشكالية في تعليم اللغات الأجنبية وتعلمها من منظور رؤية عصرية لوجدنا أن السبب الرئيس يكمن في ذلك التطور العلمي والتكنولوجي في كافة مناحي الحياة وأنشطتها ولاسيَّما في مجال الاتصالات والمعلومات واستخداماتها الحياتية، وهو الأمر الذي يتطلب بالضرورة حرص الجميع على تعلم لغة أجنبية باعتبارها لغة العلم والتطور الفكري والثقافي والحضاري في القرن الحادي والعشرين.ولذلك، فإن مصير اللغة العربية مرهون بدورنا نحن العرب في الحفاظ عليها أو التفريط فيها. ودورنا في التصدي لكل تحدٍّ يواجهها. ومن أهم التحديات التي تُمتحَن بها اللغة العربية: 1 - سيطرة العامية: يمكن تلخيص مظاهر سيطرة اللهجات العامية على العربية الفصحى في مواقف حياتية متعددة هي:: سيطرة اللهجات العامية على أنماط التواصل اليومي بالبيت والشارع. سيطرة اللهجات العامية على أنماط التواصل في قاعات المحاضرات بالجامعات والفصول الدراسية بالمدارس.سيطرة اللهجات العامية على أنماط التواصل في البرامج التلفزيونية والإذاعية والأفلام والأغاني سيطرة اللهجات العامية على معظم أنماط التواصل حتى في ذلك المحافل الرسمية. شيوع استخدام اللهجات العامية في بعض الأعمال الأدبية. 2- انحدار مستوى تدريس اللغة العربية:فرغم الجهود المتفانية التي يبذلها مدرسو اللغة العربية، ما تزال مكانتها بين المواد الدراسية مختلفة عما يليق بها من صدارة وتقدم، وقد يرجع ذلك إلى عوامل كثيرة منها اختلاف مشارب المدرسين أنفسهم وتعدد مصادر تخريجهم، ومنها كثرة أفرع المادة وتوزيع جهد المعلم بين تلك الأفرع من ناحية، والأنشطة المدرسية كالإذاعة والصحافة والرحلات وتدريس التربية الدينية من ناحية أخرى.وفي هذا السياق، يطيب لوسائل الإعلام من حين لآخر أن تُقحم أنفها في قضايا علمية شائكة (مثل قضية: ضعف معلمي اللغة العربية!!) فلا تبلغ منها إلا بمقدار ما تبلبل العقول، وتثير الشكوك، وتحير النفوس. فمن ذلك ما يتسرب أحياناً من مقولات معقدة مثل ضعف إعداد المعلمين، وبخاصة معلمو اللغة العربية. والأنكى أن هذه التهويمات الإعلامية الجوفاء تسربت في وقت من الأوقات إلى دهاليز مؤسسات رسمية حكومية تبنتها بغير تمحيص، وتلقتها كحقائق – ورتبت عليها مواقف وتصريحات أساءت للمختصين. ومنشأ الأزمة أن " ضعف المعلمين " كمصطلح يحتمل أحد وجهين فهو: إما أن يكون ضعف أداء، أي ضعفاً مهنياً في فنيات التعليم ومهاراته وأساليبه. أو أن يكون ضعفاً تكوينياً في صميم المادة العلمية التي يقوم المعلم التي يقوم المعلم بتدريسها كأن يعجز مثلاً عن فهم مسائل في النحو أو الرياضيات أو الفيزياء أو الجغرافية. ولأن الكليات المنوط بها – رسمياً – إعداد المعلمين، هي كليات التربية فإن إطلاق الاتهامات الإعلامية بضعف المعلمين سرعان ما يتناول كليات التربية ويعلقها على ما أسميه مقاصل " الردح " الإعلامي القاتلة!! ويتجاهل الإعلام بهذا المسلك حقيقيتين أساسيتين هما: الأولى: أن الحكومة دأبت منذ سنوات طويلة على عدم احترام مهنة التدريس كمهنة لها أصولها فاتخذت تعيين الخريجين المختلفين معلمين وسيلة للفكاك من كابوس البطالة الذي يقض مضاجع الحكومة ويسمم أوقاتها ويهددها بالزوال بين الحين والآخر، فإذا دخل كل من تخرج في الجامعة إلى مهنة التدريس وشاع مصطلح " ضعف المعلمين " وتسرب في وسائل الإعلام، ألقيت الاتهامات على كليات التربية، وتم غض الطرف عن خطأ الحكومة في إلباس عباءة (المعلم) لمن لم يعد لارتدائها، وإقحام غير المختصين في محراب هذه المهنة فيجنون على أنفسهم وعلى قرنائهم من المختصين. وتنجو الحكومة ببأسها وقهرها من الألسنة الإعلامية الحداد، ويحمل وزرها التربويون وحدهم بلا جناية جنوها، وبغير إثم اكتسبوه. والحقيقة الثانية: أن القائمين على إعداد المعلم تخصيصاً هم أساتذة الكليات المتخصصة كالآداب والعلوم والزراعة والتجارة والهندسة. وإن كان الكلام عن ضعف المعلمين عادة لا يتسع لمعلمي التعليم الفني. بل ينصب في الأغلب على التخصصات الأكاديمية لا المهنية مثل اللغات والرياضيات والعلوم. فإذا أونس ضعف في معلم اللغة العربية مثلاً، فالأجدر بمن يتناول شأن هذا الضعف بالحديث، أن يبدأ بالبحث عن مكمن هذا الضعف: أهو ضعف في الأداء المهني بمعنى القصور عن أساليب التعليم وفنياته؟ أم هو ضعف في التكوين العلمي بمعنى القصور عن فهم مادة التخصص ذاتها؟ فإن كان الضعف من النوع الأول فتلام كليات التربية وإن كان الثاني فتلام كليات الآداب.