30 سبتمبر 2025
تسجيليهمني جداً أن يعي المواطنون أننا نعيش مجتمع الاستهلاك، بعد أن عاش آباؤنا وأجدادنا مرحلة الإنتاج، لذلك كل ما تركوه لنا من نشاط كان تراثاً محملاً بقيم الإنتاج، ومرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بتلك المرحلة، مرحلة الإنتاج، لذلك هناك ارتباط وثيق بين العمل والقيَم، أو بين العمل وقيمه.. أياً كانت طبيعة هذا العمل أو النشاط، اليوم في مجتمع الاستهلاك فُصلت القيمة عن العمل أو النشاط، فحينما نمارسه، نمارسه كنشاط أو عمل وليس كقيمة. مجتمع الإنتاج، مجتمع خيال واسع وابتكار دائم، فجميع نشاطاته وفنونه، نشاطات وفنون تحمل قيَماً فتعلي من الإنتاج كقيمة، بينما مجتمع الاستهلاك، تنفصل القيمة عن العمل، فتصبح القيمة مجرد ترفيه أو قيمة ترفيهية، تزيد من حدة الاستهلاك بمعزل عن الإنتاج. يمكن ملاحظة ذلك بوضوح في التكالب المستمر على الطلب على بعض السيارات في فترة من العام للحصول على موديلات العام القادم قبل أن يبدأ بثلاثة شهور، بما في ذلك إرجاع موديلات العام الذي لم ينقضِ بعد جرياً وراء غريزة الاستهلاك، بينما كانت القيمة الإنتاجية في السابق هي القيمة الحاكمة، حيث تستخدم السيارة بعيداً عن حمى الموديلات والتسويق طالما هي قادرة على تحمل قيمة الإنتاج التي يضطلع بها المجتمع في ذلك الوقت. انظر إلى نشاطات التراث التي تزدهر في هذا الوقت من كل عام، القلايل، سنيار، الحَبال، الهدد وغيرها.. أيضا تدخل ضمن نشاط مجتمع الاستهلاك وأصبحت كذلك قيماً استهلاكية، بينما هي في الأصل قيم ذات بُعد إنتاجي في المجتمع في عقود الآباء والأجداد، وارتباطها بالجوائز الكبيرة دليل على انتقالها إلى هذا الحيز الاستهلاكي. فمجتمع ما قبل «الريع» مجتمع إنتاجي، بينما مجتمع الريع الذي نعايشه مجتمع استهلاكي. الخطورة حينما يصبح المجتمع كله خارج قيم الإنتاج ويصبح فقط قيمة استهلاكية لا أكثر، كما نرى بوضوح. والأخطر من ذلك عندما يفقد حتى القدرة في التحكم في قيم الاستهلاك وينعدم تأثيره بشكل كبير في ذلك، ويتحول إلى أقلية غير مؤثرة إنتاجياً واستهلاكياً كذلك. خطورة عدم تأثير المجتمع أو استسلامه لخيارات الاستهلاك يضعه بين قوسين أو فائض عن الاستهلاك.. ناهيك عن الإنتاج فيصعب بالتالي صياغة بنية فوقية جمالية أخلاقية ثقافية تحافظ على هويته وكيان وجوده. نحن سائرون في منحدر استهلاكي خطير ما لم نعِد ارتباط العمل بالقيمة والدين بالأخلاق كذلك فمن لا ينتج يقلل ذلك من إيمانه وإن اعتكف في المسجد وطال اعتكافه، ولا يتأتى ذلك دونما إنشاء طبقة عمالية مؤثرة تتمتع بمستوى مادي جيد يجعلها تشعر بقيمة العمل والإنتاج، هذه ضرورة وأن يتحاشى البعض طالما الريع يسد الحاجة، لكن بقاء المجتمع واستمراره مرهون بإنتاجه ومدى مساحة الطبقة العاملة الفنية فيه، نحن مجتمع بلا طبقة عمالية تنتج وبطبقة كبيرة، بل كل مجتمع طبقة مستهلكة، هذا الأمر سيضر على المستوى الطويل بملاك الريع أيضاً، لأن العمالة الأجنبية في إطار التوطين عالمياً وفي حالة تجنيسها هي أشد خطورة من العمالة الوطنية لراديكاليتها، فهي بلا ثقل تاريخي يمكن لها أن تراعيه سوى إنتاجيتها وحيازة الواقع وهو ما يحكم علاقات وتشريعات اليوم. [email protected]