14 سبتمبر 2025

تسجيل

ملاحظات تربويّة على "أحلى صوت"

10 فبراير 2016

قليلة هي البرامج التلفزيونية التي تهتم باكتشاف المواهب الإبداعية لدى الأطفال واليافعين والشباب في عالمنا العربي، وتقوم برعايتها وتسهم في تنميتها وصقل مهاراتها وتسعى لتشجيعها وتطويرها، ومن هذه البرامج برنامج "أحلى صوت" الذي يعرض على شاشتي "إم بي سي، وإم بي سي مصر"، وحظي بمشاهدة عالية من قبل الأطفال والأسر العربية، رغم الملاحظات التي تسجّل عليه. يحسب للبرنامج أنه كشف عن كنز من أصحاب المواهب، وسلّط الضوء عليها، ولفت الانتباه إلى عديد منها مبكرا، وأنه سيعطي فرصا معتبرة للاهتمام بها، وتوفير الرعاية الفنية لها، من أجل تطوير قدراتها والأخذ بيدها للإجادة والاحتراف مستقبلا. فكثير من مواهب الأطفال والناشئة قد تتلاشى بمرور الزمن إن لم تحظ بالعناية والاهتمام، أو تندثر لأنها لم تجد أصلا من يكشف عنها.أعرف كثيرا من أصحاب المواهب الإبداعية أرغموا على الاهتمام بجوانب قد لا يجدون ميلا لها أو شغفا بها، لأن أهليهم أجبروهم على الدخول للفروع العلمية في المراحل الثانوية، ظنا منهم أن دراسة الهندسة والطب وما شاكلهما أفضل لمستقبل ابنهم، وربما طمس هذا التوجيه أو الإجبار الخاطئ -حتى وإن كان عن حسن نية- موهبة فنية أو أدبية أو إبداعية كان يمكن أن تكون هي المستقبل الذي يصنع قامة كبيرة، وبعض هؤلاء هجر تخصصه في أثناء الدراسة أو بعد تخرجه ليعمل أو يكرس وقته لصالح موهبته التي شغف بها منذ صغره، وكثير منهم عبّر عن لومه أسرته عندما كبر واشتد عوده، لأنّها أجبرته على السير في طريق معاكس لمواهبه واهتماماته التي يعشقها كالأدب أو الفن أو الإعلام أو الرياضة، وقلّة هم من وفِّقوا بأسرٍ ومربين عملوا على توجيههم ورعاية قدراتهم الإبداعية فبرزوا وتألقوا، ووصل بعضهم للنجومية، وأعرف ثلاثة من أصحاب المواهب الإعلامية عملوا في مؤسسات إعلامية متميزة ومرموقة قبل تخرجهم في الجامعة، لأنهم وجدوا أسرا وبرامج مؤسساتية راعية وتلقوا التدريب النظري والعملي الذي طور قدراتهم الإبداعية.لكن ثمة ملاحظات تربوية وقيمية على البرنامج، رصدتُها من خلال جلسة حوارية ونقاشية جمعتني مع عدد من المهتمين بالطفل من كتاب وفنانين وتربويين وأحببت أن أشارككم بها، ولعل أهمها: - البرنامج ذو طابع تجاري، ويستغل مواهب الأطفال من أجل إرضاء رغبات الجمهور، وزيادة الإعلانات وجني الأرباح الطائلة من وراء ذلك.- تكريس حبّ الأضواء والشهرة والنزعة الاستهلاكية في الطفل منذ نعومة أظفاره، ففي مثل هذه البرامج التي تحظى بمتابعة كبيرة يشعر الطفل بأنه صار مهما، وهو ما قد يصيبه بالزهو، والتعالي على زملائه في المدرسة والحيّ، وقد يضطر مدرّسوه إلى معاملته بصورة مختلفة عن أقرانه، وربما يشعر الأطفال الآخرون بالرغبة نفسها، فيسعون لتحقيق الغايات نفسها، فتضيع أوقاتهم بحفظ الأغاني حتى وإن كانوا غير موهوبين، فيكونون كمن يجري خلف السراب. - الأصل أن الغناء والموسيقى موهبة ربانية ومنحة إلهية، والتقييم فيهما يدخل في إطار التذوق، ويخضع لوجهات النظر من شخص لآخر، وليس للخطأ أو الصواب العلمي، لذا فالأولى أن يكون التنافس فيما هو محسوس وملموس، ويمكن استيعابه كمادة علمية أو حفظ كالحاسوب والتقنيات الأخرى، ولعله بسبب ذلك ظلمت العديد من المواهب التي غنّت في البرنامج دون أن تأخذ حظها في الفوز. - كثير من كلمات الأغاني التي قدّمها وأدّاها أطفال لم يبلغوا العاشرة أو الثانية عشرة من أعمارهم كانت عن الحبّ والعشق والغرام والهيام أو كانت كلماتها غير راقية، وهو أمر مسيء تربويا وقيميا وسلوكيّا للأطفال، وغير مشرِّف للإعلام.- العديد من الأغاني التي قدمها أطفال عرب كانت بكلمات وموسيقى غربية، وكأن لغتنا الجميلة وألحاننا الشرقية قاصرة عن أن تقدّم أعمالا فنية لائقة، ومرة أخرى فإن مثل هذا الأمر يكرّس غربة أجيالنا عن لغتهم الأم وهويتهم الثقافية، ويعزز عقدة النقص تجاهها، لصالح اللغات والثقافات الغربية.نأمل أن تكون للنسخ القادمة من هذا البرنامج ضوابط أكبر تخفف من الملاحظات السلبية عليه، وأن ننجح إعلاميا وتربويا في اقتراح أفكار أصيلة لبرامج تلفزيونية تسهم في تنمية المواهب ورعايتها، بدلا من استنساخ البرامج الأجنبية أو عمل نسخة عن البرامج الغربية.