14 سبتمبر 2025

تسجيل

بين زمنين ... من عبد الناصر إلى مبارك!

10 فبراير 2011

يستحضر المصريون في انتفاضتهم الحالية صور الرئيس الخالد جمال عبد الناصر، الذي تنحى وتحمّل المسؤولية بشرف بعد هزيمة عام 1967، والذي ظل مصراً على أن لا صلح، لا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل، والذي ظلّ مؤمناً بأن ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. تنحى عبد الناصر ابن المصريين، ابن العرب، ابن الإنسانية جمعاء، بعزة وكرامة وكبرياء وشموخ. رفض المصريون استقالته وقامت مصر عن بكرة أبيها تهتف من أجل عودة الرئيس، وقامت الأمة العربية من المحيط إلى الخليج بتظاهرات ترفض الهزيمة وتطالب بعودة الرئيس. يستذكر المصريون في تظاهراتهم الحالية ما بناه الرئيس من قاعدة تصنيعية في مصر، ومن مجانية في التعليم، والصحة، وتأمين على الحياة والشيخوخة، وتأميم لقناة السويس، وتوزيع الأراضي على الفلاحين، وهزيمة الحلف الثلاثي الإسرائيلي-البريطاني-الفرنسي في العدوان على مصر في عام 1956. يستذكر المصريون ما فعله الرئيس عبد الناصر لرفع شأن مصر كدولة تشارك في زعامة الدول النامية، وما فعله من أجل رفع شأن الأمة العربية من المحيط إلى الخليج. مصر في أيامه كانت محجاً وموطناً لكل المظلومين والمقهورين في بلدانهم من الأحرار. أذكر يوم مات الرئيس عبد الناصر، خروج المظاهرات المليونية في مصر(كل المدن المصرية) وفي كل العواصم العربية حزنا وحسرة على الرئيس. لم يتمسك عبد الناصر بالكرسي... ألا يشكل ذلك درساً للرئيس مبارك؟ أما الواقع الحالي للمصريين... فهو انتفاضة (ثورة) ضد الرئيس مبارك الذي تستعمل أجهزة حكمه أساليب البلطجة ضد المنتفضين المسالمين، الذين لا يملكون سلاحاً سوى إيمانهم بعدالة مطالبهم. الواقع الحالي في مصر هو استخدام الأجهزة الأمنية والمخابراتية التي يرتدي العاملون فيها أزياء مدنية للهجوم على العُزّل. الواقع الحالي للمصريين هو أن الرئيس مبارك لا يستجيب للغة العقل والمنطق بالتنحي، بل على العكس يضرب عرض الحائط بمطالب الملايين ممن يُفترض أنهم أبناء شعبه، ويرفض كل المناشدات الداخلية والخارجية التي تطالبه بالرحيل، بعد أن ملّه حتى من خدمهم ونفذّ مخططاتهم. يستعمل المهاجمون من فلول النظام الخيول والجمال والعربات والقضبات الحديدية وزجاجات المولوتوف والرصاص الحي في الهجوم على المعتصمين في ميدان التحرير من أبناء الشعب منذ عدة أيام، وبينهم الأطفال والنساء والشيوخ، الذين اعتقدوا أنهم يعيشون في دولة مؤسسات وأن النظام لن يبطش بهم. نسي المهاجمون أنهم يعملون في أجهزة مفترض فيها حماية المواطنين وليس التكالب بالهجوم عليهم، بأساليب البلطجة والفتوات وأبناء الشوارع من مافيات السلب والنهب وعصابات الإجرام. يكفي الناس البطش الذي عاشوه طيلة ثلاثين عاماً ويكفيهم السلب والنهب من رجالات النظام وأزلامه وأصدقائه من رجال الأعمال والمتطفلين الذين قبضوا ويقبضون على ما نسبته %80 من ثروة مصر، وهم لا تبلغ نسبة عددهم سوى 5% أو أقل من المصريين، أما الجزء المتبقي من الثروة والبالغ %20 فهو يصرف على 95% من الشعب المصري البالغ 80 مليوناً أو ما يزيد. القطط السمان لا يلائمها إسقاط النظام المصري الحالي، فهي اغتنت وتربت في أجواء هذا النظام، الذي تمده إسرائيل بالعون والمساعدة والخبرة في القمع، حفاظاً على معاهدة كامب ديفيد، وحفاظاً على النظام الذي يحاصر قطاع غزة، والذي بنى جداراً فولاذياً على حدوده ليمنع تهريب علب حليب الأطفال للمحاصرين للعام الرابع على التوالي من قبل العدو الصهيوني، نظام مبارك يشارك في حصارهم أيضاً. كيف يستطيع مبارك البقاء في السلطة في الوقت الذي بلغت فيه أعداد المشاركين في التظاهرات (ومنها محافظة المنوفية مسقط رأسه) العشرة ملايين؟... حتى ولو استطاع قمع الثورة (وهو لن يستطيع) وبأي وجه يعود إلى حكم شعب الذي يلفظه؟ أين هو ماء وجهه والحالة هذه؟ أين هي الشهامة والكرامة والشرف العسكري؟ يستطيع الرئيس مبارك الموت في مصر (مثلما تمنى في خطابه الأخير). وذلك إن تنحى وخرج بشرف من منصبه، ليظلّ عزيزاً مكرّماً في بلده. على شاكلة معظم الطغاة يكابر الرئيس مبارك في الخروج، إلاّ بعد استنفاد الخمس دقائق الأخيرة التي يعيشها نظامه المحتضر، الملفوظ جماهيرياً من غالبية الشعب المصري، الذي يتظاهر في مختلف المدن المصرية ضد بقائه. بالفعل فإن النقلة كبيرة بين زمن وزمن، زمن عبد الناصر رغم الهزيمة..... وبين زمن الرئيس مبارك. بالفعل انقلب الزمن... أصبح رديئاً.... لكن المنتفضين المشاركين بالثورة الحالية، سيعيدون بصمودهم الشجاع شعب مصر والأمة العربية إلى زمن العزة والكرامة والكبرياء والشموخ – زمن عبد الناصر- كل التحية لهم على وقفتهم الشجاعة.