16 سبتمبر 2025
تسجيلنستطيع القول بأن الحرب على غزة قسمت دول العالم إلى ثلاث مجموعاتٍ متباينة المواقف، فالمجموعة الأولى وتتزعمها الولايات المتحدة الأمريكية، تقف بكل وضوح مع دولة الاحتلال، فهي تدعمه بالمال والمقاتلين والسلاح والتقنية، وتقف إلى جانبه ضد بيانات وقرارات المجتمع الدولي التي تدين إسرائيل وتطالب بوقف الحرب، وتضرب بعرض الحائط كل القيم الديمقراطية والإنسانية التي كانت تروج لها بالأمس القريب وكانت تستغفل، أو لنكن اكثر وضوحًا، تبتز بها مؤسساتنا ومجتمعاتنا، فأصبحت اليوم تتبجح بالكيل بمكيالين وتتبنى ازدواجية معايير فجة. أما المجموعة الثانية، فهي رغم صغرها النسبي، وتواضع امكاناتها ووسائلها، إلا أن ذلك لم يمنعها من أن تقف بكل شرف وإنصاف ضد الظلم والعدوان ومع حق المقاومة في الدفاع عن أرضها ودحر الاحتلال والعدوان الغاشم، وذلك موقف منسجم مع القرارات الأممية وحقوق الإنسان، لن اسمي الدول العربية التي في هذه المجموعة، وهي لا تكاد تعد على اصابع اليد الواحدة، حتى لانقع في جدل المزايدات، ولكنها تضم أيضًا دولًا ليست عربية ولا إسلامية، بل إن هناك دولًا في أقصى الغرب كفنزويلا، وفي اقصى الجنوب الأفريقي كجمهورية جنوب افريقيا، وقفت موقفًا حازمًا ومشرفًا من «قضية المسلمين الأولى». المجموعة الثالثة والأخيرة، وهي الغالبية العظمى وتشمل للأسف دولًا عربية وإسلامية، هي مجموعة الجبناء والمنافقين، فالجبناء هم أنظمة لا تمتلك الشجاعة لتحديد موقفها من الكيان المعتدي، مع أنها تمتلك ترسانة عسكرية ضخمة، تلك الترسانة من الأسلحة المكدسة لم تردع معتديا على سيادتها ولم تحقق نصرًا يومًا ما، عدا أنها ملأت خزائن الدول المصنعة للسلاح كما ملأت جيوب المرتشين القائمين على تلك الصفقات الفاسدة. أما المنافقون، وهم الأسوأ على الإطلاق، ومنهم للأسف دول عربية مسلمة، أولئك يتربصون ما تؤول له الأمور حتى يضخموا مكاسبهم ويركبوا الموجة القادمة وقد وصفهم الحق عز وجل بقوله (الذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ ٱللَّهِ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوٓاْ أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُم مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ)، وحقيقتهم لا تخفى على المتابعين للتصريحات التي تصدر عن وسائل إعلامهم الصفراء، لا أقول إن قلوبهم مع المقاومة وسيوفهم مع الصهاينة، بل أقول إن قلوبهم وسيوفهم، وكلامهم وسكوتهم، وتجاهلهم لمأساة إخوانهم في فلسطين، كل ذلك يعبر عن تبنيهم لموقف الصهاينة وامنياتهم بأن تسحق المقاومة بأسرع وقت حتى يأمنوا على مكتسباتهم الزائلة ولو باعوا كل شيء، أولئك لا يردعهم دين ولا أخلاق ولا شهامة ولا مروءة، هم فقط احرص الناس على حياة، والعدو يعرفهم جيدًا فيعدهم بالسلام ويمنيهم بالازدهار «ولا يعدهم الشيطان إلا غرورا». أما مواقف شعوب العالم، فهي بعيدة عن حسابات الساسة وقد عبرت عن موقفها مما يجري في غزة من خلال المظاهرات المليونية التي اجتاحت عواصم العالم شرقًا وغربًا منددةً بالحرب على غزة، وتباينت في شعاراتها مع المواقف الرسمية للدول التي خرجت فيها تلك المظاهرات، الشعوب الحرة اختارت الوقوف مع الحق وقيم الإنسانية والعدالة. وكي نعرف متى سينفد بارود المقاومة علينا أن نتذكر بأن محاولات استنزاف بارود المقاومة فشلت على مدار الخمسة وسبعين عامًا الماضية، لأنه ليس كالبارود الذي يملأ مخازن الجيوش العربية، ولا البارود الذي تصنعه قوى الاستكبار العالمي لتسوقه على المخدوعين بالاستقلالية والسيادة، إن بارود المقاومة هو إيمانها الراسخ بنصر الله، إنه كل قطرة دم طاهرة سالت على تراب فلسطين، إنه كل صرخة ثكلى لم تلامس سمع معتصم، فكيف ينفد بارودهم وهم قد باعوا أنفسهم لله القائل في محكم كتابه « مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ». أقول لبني صهيون واذنابهم سيواجهكم أبطال فلسطين بكل وسيلة متاحة، فإن نفدت الذخيرة سيرجمونكم بالحجارة ولن يستسلم لكم طفل فلسطيني، إنها عقيدة الرجال التي لا يفهمها إلا الأحرار، ولقد لخصها ابوعبيدة في مقولته الشهيرة «إنه لجهاد نصر أو إستشهاد». اللهم اغفر لكاتبها وناشرها وقارئها وسامعها.