13 سبتمبر 2025
تسجيلما أن رفعَ رئيس الفيفا في عام 2010 الورقة التي كُتب فيها "Qatar" فيُعلنَ فوزها بتنظيم بطولة كأسِ العالمِ 2022 أي بعد (12) عاماً، حتى شُمِّرت السَّواعد، قبل أن ترتفع رافعات البناءِ، وسَمَت الهِمم قبل أن تتحرَّك الآلات في كلِّ الأَنحاءِ من أرضِ قطرِ الغرَّاء. لقد بدأت الرحلة، ولا مجالَ لإضاعةِ دقيقةٍ واحدةٍ من الوقتِ الذي أضحى ثميناً جداً، لقد تقسَّم الزَّمنُ إلى ثلاث مراحل: الأولى مرحلةُ الحلم، والطموح، الثانية: مرحلةُ العمل الدؤوب، أما الثالثة: فمرحلةُ الإنجازِ والحصاد. وهُنا في المرحلة الثانية يقعُ أعظم الحِمل، وأكبرُ المسؤوليات، وأدقُّ التفاصيل، فلا اغترار باثني عشر عاماً، ولا استهانة بــ(4380) يوماً، فالوقتُ نهرٌ تيَّارهُ عاتٍ، لا يتوقَّفُ أبداً، ولا يمكنُ استثماره إلا بالإنجاز الذي يحتويه، أما غيرُ ذلك فضياعٌ لا يغتفر. رحلةُ العمل الشاق قد بدأت مباشرةً بعد إِعلان الفوز بالتنظيم الذي أصبحَ فيه حلم التنظيم حقيقة لا مواربةَ فيها، والطموح العالي قد وضعَ خُطاهُ في طريق الألف ميل، بيدَ أن كل ذلك يحتاجُ إلى هممٍ لا تعرفُ الكلل، ومعنويات لا تضيقُ بالتذمرُ والضجر. بدأت الرحلة للاستعداد العظيم وبدأ معها الزعيقُ والنقيقُ والنهيقُ من الحسَّادِ الحاقدين، والحقودين الغيورين، يتهكمون، ويستهترون، ويستخفُّون، فلم يراعوا دبلوماسية الكلمة، ولا رزانة الفعل، ولا أدبَ الكلام، بل أظهروا فوقيتهم المتعجرفة التي قاموا في الأساس عليها ثم حجبوها بشعارات الديمقراطية التي ما لبثت أن تساقطت أوراقها لتكشف سواءتهم، وتفضح خططهم، وتٌفصح عن نواياهم، لكنَّ قطرَ اتخذتَ من قيم الهدوءِ، والرزانةِ، والإِعراضِ عن السُّفهاء، ومواصلة العمل بعظم الهمَّةِ، ومضاءِ العزيمة، منهجاً وسبيلاً لا تحيد عنه، ورغم الأسهم التي ترشقها من كل حدب وصوب كانت سفينتها تمضي وهي تشقُّ عبار البحرِ في ثقةٍ وصلابةٍ دون أن تَحيدَ عن طريقها المرسوم؛ لقد اتخذت قطر قرارها إزاء ذلك الصخب الحاقد، والضجيج الساخط: أنَّ الردَّ لن يكون بالمناكفةِ في الكلام، وإِنما بالإقدامِ في السَّعي نحو الهدف، والإلجامِ حين يتحقق المنجز، يقول الشاعر العربي: لو كلُّ كلبٍ عوى ألقمتُه حجرًا .. لأصبح الصخرُ مثقالاً بدينارِ وليت الرحلة كانتَ قصيرة فتُخرسَ قطر الأفواهَ الحاقدة وينتهي الأمر، وإنَّما كانتَ اثني عشر عاماً، ولا يمكننا أن نخفف من وطأةِ الثقل فيها نحنُ الذين لم نعشِ كلَّ لحظةٍ فيها، لكن يمكنُ أن يلمس الواحدُ منا ذلك العناءُ والضنى في نَفس الذين عاشوا كل تفاصيل هذه السنين الثقال، على أنَّ شخصية الإنسان القطري الإيجابية تعاطت مع وطأة الرحلة بصبر وحكمة وحنكة وبصيرة، ساعدها على ذلك قيادة حكيمة تحلَّت بسياسة حصيفة استطاعت أن توجِّه دفَّتها برشدٍ، وسدادٍ، وفطنة. لم تكن البُنى التحتيةِ للمونديال الكبير بمعزلٍ عن رؤية قطر، وبُعد نظرتها، وشمولية البناءِ والتنمية فيها، خلال العقود القادمة لهذا فإنَّ الإنجاز الذي سيتحقق مع استضافة بطولة كأس العالم لن يكون مجرَّد مبانٍ وشوارع وملاعب ستتلاشى من الأرضِ بعد انتهاء المونديال وإنما ستبقى بُنى تحتيَّة لقطر؛ مشكِّلةٍ إضافةً مهمَّةً للجوانب السياحية والاقتصادية والاجتماعية والترفيهية والثقافية، الأمر الذي يعني أنَّ كلَّ ريال قطري صُرف للمشاريع العملاقة إنما تكون عوائده أضعافَ قيمته. رحلةٌ أثبتت فيها قطر أن الأعمال الماثلة للعيان هي أقوى رد يُلجم الألسنة، ويخرس الأفواه، وأكَّدتْ بها قطر درساً حصيفاً بأن الطموحات العظيمة تحتاج إلى عزائم أعظم، وأنَّ الإنجازات لا تصنع بالشعارات، وأنَّ الأحلامَ لا تتحققَّ بالكلام، وإنَّما بالعمِل والإِقدام. يقول المتنبي: على قدر أهل العزم تأتي العزائم .. وتأتي على قدر الكرام المكارم وتعظم في عين الصغير صغارها .. وتصغر في عين العظيم العظائم رحلة استغرقت (4380) يوماً لأجل (28) يوماً، هي رحلةٌ مستحقة لإنجازٍ عظيم حيثُ يقال:"يستغرق الأمر عشرين سنة، ليتحقق النجاح في ليلة أو ضحاها".