16 سبتمبر 2025

تسجيل

محو الأمية في الاستدامة التنموية

10 يناير 2021

التنمية المستدامة مصطلح جديد نوعاً ما، قياساً بعمر البشرية على كوكب الأرض، حيث لم يتم استخدام هذا المصطلح أو الحديث عن مفهومه إلا مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، وتتعدد التعريفات وقد تتعقد ولكنها تجتمع وتدور وتتمحور حول مفهوم واحد تقريباً وهو الإنسان والمستقبل. وبشكل عام يمكن اعتبار التعريف الذي ورد في تقرير اللجنة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية في عام 1987 بعنوان “مستقبلنا المشترك” والذي يسمى أيضا بتقرير "برونتلاند" هو أكثر التعريفات انتشاراً الذي ينص على "أن التنمية المسـتدامة نمط جديـد للتنمية التي تفـي باحتياجات الحاضر دون المجازفة بقـدرة الأجيال القادمـة على الوفاء باحتياجاتها"، ولقد واجه هذا التعريف بعض الاعتراضات من حيث افتقاده للشمولية للمفهوم الحقيقي للتنمية المستدامة، وكذلك غموض مفرداته ولكنه مع ذلك استخدم بشكل واسع في نطاق المؤتمرات والندوات العالمية. ولعل أهم التطورات التي تمت على مفهوم التنمية المستدامة تكمن في تحديد الركائز الرئيسية التي ينبغي أن تبنى عليها، وتحديد نوع الجهود أو الخطط أو البرامج المستقبلية التي تحقق استدامة تنموية للبشرية، ويبدو أن هناك اتفاقا في الأوساط التنموية العالمية بأن البيئة والمجتمع والاقتصاد هم الابعاد والركائز الأساسية لأي عمل تنموي مستدام، فالإنسان هو أساس المجتمع، والمجتمع هو أساس الاقتصاد، والاقتصاد هو الداعم الحيوي لاستمرار العيش وبناء العلاقات بين المجتمعات والدول، وكل ذلك يحدث في محيط حيز جغرافي يمتلك ثروات أو موارد طبيعية تقوم عليه المجتمعات وتنمو فيه الاقتصاديات المشكلة للدول والأنظمة. إذن الإنسان هو المشكلة والحل في نفس الوقت، فالنشاطات الإنسانية في المجالات المختلفة كالصناعية والزراعية والإنشائية والعمرانية وغيرها تتسبب في استنزاف الموارد الطبيعية وارتفاع معدلات التلوث في الابعاد البيئية الثلاثة (التربة والهواء والماء)، مهددة بنضوب الثروات والموارد الطبيعية مما سيدفع الأجيال القادمة مستقبلا إلى مواجهة عواقب هذه النشاطات غير المسؤولة التي قد تتسبب بنشوء النزاعات المسلحة على الموارد بين الدول وزيادة الكوارث البيئية الناتجة عن التلوث. وهنا يأتي دور التنمية المستدامة في إدراك كل هذه المخاطر قبل حدوثها وصياغة آليات عمل وإستراتيجيات وخطط تحقق استمرار تلبية احتياجاتنا الحالية بأسلوب يضمن حق الأجيال القادمة في العيش بكرامة ورفاهة، وحتى تتضح الصورة دعونا نلقي الضوء على بعض أهداف التنمية المستدامة والتي اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015 بعنوان "تحويل عالمنا: خطة التنمية المستدامة لعام 2030" واقرتها 193 دولة حول العالم، وقد تضمنت الوثيقة 17 هدفا أو غاية لتحقيق التنمية المستدامة حول العالم ولجميع المجتمعات والدول، على أن لا يتخلف أحد عن الركب. وتضمنت الوثيقة 169 غايةً للأهداف السبعة عشر. كل هدف له 1-3 من المؤشرات المستخدمة لقياس التقدم المحرز نحو بلوغ الأهداف. وإجمالا، هناك 304 مؤشرات تقيس الامتثال لتحقيق الأهداف ويقاس على ضوئها مدى نجاح أي دولة في الوصول إلى غايات التنمية المستدامة. وشملت أهداف التنمية المستدامة، القضاء على الفقر، والقضاء التام على الجوع، والصحة الجيدة والرفاه، والتعليم الجيد، والمياه النظيفة والنظافة الصحية، والطاقة النظيفة، والعمل اللائق ونمو الاقتصاد، والعمل المناخي والبيئي، والعدالة والمساواة السياسية، وعقد الشراكات لتحقيق الأهداف، وغيرها من الأهداف. إن القراءة المتعمقة في خطة التنمية المستدامة نجد أنها توجه الإنسان إلى الحفاظ على بقائه من خلال توفير بيئة اجتماعية واقتصادية وبيئية متكاملة وعادلة وأمنة، تستمر فيها الحياة بوتيرة متوازنة مع الاستهلاك العالمي ومحافظة على الموارد والثروات للأجيال القادمة. وسبحان الله، لقد احتاجت البشرية إلى قرون من السنين وثلة من العلماء والقادة والمفكرين لإدراك الحاجة إلى وضع خطط وبرامج وآليات لتحقيق التنمية المستدامة، ولكن سيد البشر محمد بن عبدالله - صلى الله عليه وسلم - قبل أكثر من 1400 سنة اختزل كل ذلك في قول المولى عز وجل في سورة الأعراف الآية 31 " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ". فالحمد لله على نعمة الإسلام. @drAliAlnaimi