14 سبتمبر 2025
تسجيلنجحت دولة الكويت الشقيقة في تنظيم دورة كأس الخليج العربي الثالثة والعشرين لكرة القدم في وقت قياسي، بعدما تردّد عن تردد بعض دول الحصار عن المشاركة في الدورة. وبغض النظر عن مسألة الفوز أو الخسارة ، فإن اجتماع الجمهور الخليجي على أرض الكويت يدل دلالة واضحة على أن شعوب الخليج متحابة ومتحدة، مهما كانت المنغصات التي تظهر على الساحة السياسية من وقت لآخر. وكما نجحت الكويت في حسن التنظيم والإعداد لإنجاح الدورة، فإنها هيأت الملاعب المجهزة للعب النظيف ، وأبعدت الدورة عن " حساسيات" حسبَ البعض أنها سوف تلقي بظلالها على الدورة. فاللاعب القطري ساعد اللاعب البحريني عند إصابته ، وكانت لقطة معبّرة عن أصالة أهل قطر، وحسن الخلق الرياضي، وهو ما ساد جميع مباريات الدورة ، كما هنّأ حارس الإمارات حارسَ عمان ، بعد أن فازت السلطنة بالمركز الأول في الدورة، ومن نجاحات الدورة أيضاً حضور الجمهور الكويتي بصورة لافتة ، خصوصاً في المباراة النهائية بين منتخب عمان ومنتخب الإمارات. نجحت دولة الكويت في جمع شمل الرياضيين الخليجيين على صعيد طيب، وهذا يضيف إلى الجهود الكبيرة التي قام بها سمو الشيخ صباح الأحمد أمير دولة الكويت بهدف حل الأزمة الخليجية المُفتعلة، والحفاظ على تماسك مجلس التعاون ، بعد أن تعرضت دولة قطر إلى حصار من الأشقاء (المملكة العربية السعودية، دولة الإمارات العربية المتحدة ، مملكة البحرين ومصر) ، هذا الحصار الذي شقَّ الصف الخليجي وقضى على أحلام الخليجيين بتحول مجلس التعاون إلى اتحاد ضمن كيان سياسي واقتصادي وأمني يحافظ على التوازنات في المنطقة ، وسط تحديات وتجاذبات عديدة أفرزها ما سُميّ (الربيع العربي) ، الذي لم يكن بمعنى الربيع ، قدر ما كان زمهريراً شرّد الملايين من الشعوب العربية ، وجعلها عالةً على المجتمعات الغربية والعربية. إن قدرنا في الخليج أن نعيش كما عاش الأجداد ، في تناسق وتناغم، ضمن النظام السياسي الذي ارتضته الشعوب منذ نشأة الدولة الحديثة في المنطقة ، حيث سقطت شعارات القومية وأيديولوجيات التحزبات ، وتلاشت الجبهات النضالية التي لم تحقق أياً من أهدافها ، مهما اختلفنا على المسببات. إن انتشار العائلات الخليجية في بلدان المجلس الستة يُعطي مؤشراً واضحاً على مدى تلاحم هذه الشعوب ، وعلى قدرها الحتمي في أن تتواصل وتتصاهر وتتبادل المصالح، دون وصايات خارجية ودون دعوات لزرع الأحقاد والمكائد بين الشعوب. وإذا كان من صيرورات الحياة أن تصنع الشعوب أقدارها ، وترسم مستقبلها، فإن الحكم الرشيد يجب أن يدعمها في هذا الاتجاه، لا أن يقوم بعض المتلاعبين بأقدار هذه الشعوب بإحداث قلاقل واهتزازات - لدوافع شخصية أو أحلام كرتونية – لخلق بؤر توتر بين شعوب آمنة ومستقرة ، في مخالفة واضحة لمسيرة التاريخ وحتميات الجغرافيا، التي ترفض أي شكل من أشكال زرع النزاعات ومنع الأُسر من التزاور، ومنع الطلبة من إتمام دراستهم ، ومنع الحجاج من أداء مناسكهم. إن ما جرى منذ الخامس من يونيو 2017 أمرٌ مخالف للطبيعة وللقوانين وللشكل السياسي في المنطقة ، الذي اعتمد الاحتكام للعقل والتأني في اتخاذ القرار. كما أن من شأن الاهتزازات في أي بلد خليجي أن تنتج دوائر أكبر من عدم الاستقرار، ومثال ذلك حملة الاعتقالات التي شملت أعضاء في الأسرة المالكة في المملكة العربية السعودية، ووضعهم في فندق تحت الإقامة الجبرية ، وهو أمر تتسع دوائره كل يوم ، لأنه جرى دون محاكمة حسبما تقتضيه الأصول القضائية ، كما أن الطعن في أحقية ثراء بعض هؤلاء لا يمكن أن يتم إلا بعد إثباته عبر القضاء النزيه . حوادثُ مؤسفة حصلت في العام الماضي، ما كنا نود لها أن تحدث !. ولكن كما جمعت الرياضة شعوب الخليج على أرض الكويت ، نأمل أن تجمعهم الثقافة والفن أيضاً، لأن إدخال السياسة في الثقافة والفن أمر لا يحمل إشارات إيجابية ، وأن أهل السياسة هم الأقدر على التعامل مع الإشكاليات التي تحدث على الساحة السياسية. لقد غامر بعض الفنانين من دول الحصار ، ومعهم بعض المطربين العرب ، في إقحام السياسة في أغانيهم المسيّسة ضد دولة قطر ؛ وبذلك أخرجوا الفن عن نُبل غاياته، وفقدَ هؤلاء الفنانون جمهورهم في العديد من دول الخليج ، لأن الأغنية دوماً تدعو إلى المحبة والخير وصفاء النية والوعد الجميل والأمل ، أما أن يُدخلها البعض غياهب السياسة ، فهو أمر يخالف أيضاً الطبيعة وهدف الأغنية النبيل. شعوب الخليج بحاجة إلى إعادة النظر في قراءة ما حصل منذ الخامس من يونيو 2017 ، وتلك القراءة يجب أن تتخلص من الانحياز الأعمى للذات أو للحيّز الجغرافي، وأن تكون واقعية ، إذ ماذا فعل الشعب القطري كي تتم محاصرته بهذا الشكل؟ بل ماذا عملت الحكومة القطرية ، التي دوماً كانت سنداً للأشقاء ، وعضواً فاعلاً في مجلس التعاون ، ومناصراً حقيقياً لقضايا الأشقاء في المحافل الدولية. إن جميع دول مجلس التعاون دول مستقلة ذات سيادة ، ولا يمكن أن تسمح أية دولة بانتقاص سيادتها ، وهذا أمر حيوي وواقعي ، ومن ملامح وحتميات السيادة أن تكون السياسة الداخلية والخارجية من فعل أبناء الوطن ، ولا يجوز فرض سياسة من الخارج، أو أن يتم تطبيق سياسة من تحت (بشت) أحدهم !؟ لقد تطورت شعوب الخليج ، وأصبح لها صوت فيما يختص بمستقبلها ، ولا يمكن كبح جماح الشعوب عن الأخذ بالتطور والنظر إلى المستقبل !؟ وإن كانت بعض الشعوب ترزح تحت وطأة التاريخ ، ومعتقدات اجتماعية عفا عليها الدهر، وما زالت تتلذذ بتعذيب الذات والاسترقاق ، فإن بعض الشعوب قد تجاوزت هذه الحدود ، ونظمت التعليم وأطرت العلاقة بين الشعب والحكم ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال " استنساخ" شكل من النظام وفرضه على الأنظمة الأخرى في مجلس التعاون. نقول هذا من أجل قراءة جديدة لواقع الأحداث منذ يونيو 2017 ، وأن تصحو العقول من سُبات التخدير الإعلامي ، ويكون لها صوت مؤثر يكشف الزيف والخلل الذي صاحبَ حصار الشعب القطري. يُحذّر كثيرون من تفكك بعض دول المنطقة ، وحصول تجاذبات قد تدخل فيها أطراف خارجية عدوة لنا ، ولا سبيل لوقف هذا التفكك إلا بالتعاون مع الأشقاء ، وكفِّ يد الأذى عن الأشقاء ، والتوقف عن حبك المؤامرات التي وإن " أشفتْ" شهوة أحدهم، فإنها حتماً ستحرق الشعوب ، وبالتالي يتم تدمير كل المكتسبات المادية والروحية التي تحققت بفعل النفط. من جديد ندعو إلى التآلف والمحبة ، كما حصل في (إستاد جابر) بالكويت، وأن تصفو القلوب ، ويتحقق الرخاء لجميع شعوب الخليج ، ولعل المخرج الوحيد لذلك هو وقف اللعب مع الشيطان، والتوجه إلى الله وللأشقاء بقلب سليم.