11 سبتمبر 2025
تسجيلأعود مجددا إلى موضوع الساعة في السودان الجنوبي، وقد تطورت الوقائع العسكرية وتوسع الصدام الدموي في الدولة الوليدة بعد دخول مليشيا قبيلة النوير المعروفة بـ(الجيش الأبيض)، بعد دخولها بقوة إلى جانب القوات الموالية لنائب الرئيس السابق رياك مشار. ونجاحها في ترجيح الميزان العسكري حتى الآن لصالح القوات المهاجمة. ومكنت القوات المعارضة من إحكام سيطرتها على مدينة بور القريبة من العاصمة جوبا ووضعها في مرمى مدفعيتها، مما شغل القوات الحكومية عن محاولة استعادة بعض الحقول النفطية في شمال شرق البلاد بعد أن أصبحت العاصمة جوبا مهددة بالسقوط. الولايات المتحدة أبدت قلقها من دخول الجيش الأبيض في المعارك. وهددت بالتدخل العسكري لحماية العاصمة من السقوط، كما هدد زعماء دول شرق إفريقيا بنفس الشيء بعد مؤتمر طارئ عقدوه لمناقشة الأوضاع في دولة جنوب السودان، الجيش الأبيض هو مليشيا قبلية تتكون من شباب قبيلة النوير، ولم تكن خاضعة لقيادة الدكتور رياك مشار بقدر ما هي مليشيا قبلية هدفها حماية أمن ومصالح قبيلتها ضد أي تعديات قبلية قد تتعرض لها في مجتمع قبلي متشاكس تعجز الدولة فيه عن توفير الأمن لكل من يطلبه، مع إقرار معظم المراقبين بأن مسببات الصدام الحالي هي مسببات سياسية انبثقت عن صراع النخبة الحاكمة حول السلطة، إلا أن حدة وقسوة الصدام وضخامة الخسائر في الأرواح أجبرت الأطراف المتصادمة على الاستعانة بجذورها القبلية، الشيء الذي عمق المخاوف من تحول الصراع الحالي إلى صراع إثني لن يلبث أن يدخل البلاد في حرب أهلية قبلية قد يصعب تلافي نتائجها المدمرة. يبدو أن شباب قبيلة النوير المنظمين في مليشيا الجيش الأبيض لم يحتاجوا إلى جهد كبير لحفزهم على الاصطفاف في جانب قوات الدكتور رياك مشار، فأفئدة شباب هذه المليشيا لم تنظف تماما من مرارات الماضي القريب الذي يذكرها بحرب آبائهم وإخوانهم الكبار ضد نفس القوات عندما كانت تقاتل لصالح جون قرنق ونائبه سالفا كير ضد قوات مجموعة (الناصر) بقيادة الدكتور رياك مشار والدكتور لام أكول في عام 1992. وكانت مجموعة الناصر قد اختلفت مع الدكتور قرنق بسبب طرحه الوحدوي، في تلك الحرب أضعفت مجموعة الناصر قدرات الحركة الشعبية عسكريا لبعض الوقت، ولكنها لم تنجح في تغيير مسارها السياسي، بل إن مجموعة الناصر انكسرت سياسيا وعادت مجددا إلى الحركة الشعبية وقبول طرحها الوحدوي حتى بعد توقيعها في عام 1992 لاتفاقية الخرطوم ذات الملامح الانفصالية مع حكومة الرئيس البشير. وكان رفض الأسرة الدولية لطرحها الانفصالي في ذلك الوقت هو سبب انكسارها وعودتها إلى أحضان الحركة الشعبية، وبطبيعة الحال فإن مرارات حرب الناصر ظلت حية في نفوس الشباب الذين فقدوا المئات وربما الآلاف من زملاء آبائهم وإخوانهم ولم تغادر أفئدتهم. ويبدو أن هذا كان أدعى للاستجابة السريعة للانغماس في الحرب بنخوة إثنية أو سياسية، لا فرق. مجموعة الناصر ضمت في ذلك الوقت مقاتلين من قبيلة النوير بقيادة الدكتور رياك ومقاتلين من قبيلة الشلك بقيادة الدكتور لام أكول، ومقاتلين من إثنيات استوائية ترفض طرح الدكتور قرنق الوحدوي، وترفض في كل الأوقات زعامة قبيلة الدينكا. من الممكن الاحتفاظ بالنزاع الحالي في حدوده السياسية لو التزم الجيران والوسطاء حدود الوساطة المحايدة. تهديد الرئيس الأوغندي بهزيمة قوات رياك مشار، وتهديد أمريكا بالتدخل لصالح الرئيس سالفا كير مؤشرات سالبة يخشى من آثارها الذين يعرفون تضاريس المنطقة. الرئيس أوباما، لسوء الحظ، ليس من هؤلاء.«»