10 سبتمبر 2025

تسجيل

فما أطال النوم عمراً

10 يناير 2012

في هذه اللحظة ومن أول الصباح لا أشك أبدا في أن الكثير ممن يتصفح الجريدة الآن، ويرتشف فنجان القهوة أو كوب الشاي المفضل لديه قد أفاق من نومه وهو مغمور بشعور التعب وقلة الراحة والنشاط، وإنه لو أغمض عينيه قليلا للاستسلم لنوبة نعاس حادة، والسبب في كل ذلك هو عسر النوم والقلق الذي أصبح داء يكاد يصيب الغالبية من الناس. لماذا لم نعد نستطيع أن ننام؟ لماذا أصبح النوم العميق أمنية غالية لكثير من الناس يفترشون الحرير ويلتحفونه؟ نلقي بأجسادنا على أسرة مريحة، وتغوص رؤوسنا في وسائد الريش الوثيرة، ونسكن في هدوء ومع ذلك لا نستطيع أن ننام، بينما هناك من يداعب جفونَهم النومُ في دلال وهم يستلقون على الأرض الصلبة، بألحفة متواضعة، في غرف قد تجمع عائلات بأكملها، ينامون ملء العين والجفن، ويُفيقون في راحة ونشاط. أترى السبب هو أمانيهم وأحلامهم المتواضعة كحياتهم، ولأن ليس هناك ما يأسفون عليه، وليس هناك ما ينتظرونه، وما يقلقون من أجله، ربما منهم من قد ينام قرير العين وهو لا يعرف قوت غده. ولا شك أن الحياة كلما تقدمت بالإنسان وعرف فيها الصدمات والأحزان، أصبحت الذكريات الأليمة هي زائر الليل الذي لا يعرف حدود الزيارة، فيعتاد الإنسان جفاء النوم، ولكن أرى أيضا أن تكالبنا على الحياة، ورفاهيتها الملونة، وطلب المزيد من كل شيء هو أحد الأسباب الكبيرة التي تسبب لنا هذا الأرق، لا نهدأ ولا نكف عن التفكير الذي ليس له نهاية إلا بمعركة ليلية مع الوسادة علها تتلطف علينا بساعة من الاستغراق في نوم هانئ. عندما اجتمعت مع بعض الأقارب لاحظت أن جزء من شكاوى الجميع هو النوم بصعوبة بسبب التفكير والقلق، فسألت كل شخص منهم على حدة، عما يعتقد بأنه السبب الدائم لقلقة وعدم نومه، كان السبب عند أحدهم هو انشغال تفكيره الدائم في بيع وشراء الأسهم الذي لا يجعله يهدأ، أما السبب لإحداهن فقد كان كل ما يتعلق بالتخطيط للتسوق أو الخروج والزيارات وقد يصيبها هذا القلق حتى لشراء حذاء أو رداء لحفلة ما، وآخر كان سببه هو ألم الأمعاء وعسر الهضم الدائم بسبب وجبات العشاء الدسمة قبل النوم، أما إحداهن فقالت بعصبية: إنها لا تنام بسبب مشاكل الحياة ومتطلباتها التي لا تنتهي، وأخرى قالت: إنها الذكريات الأليمة وليس غيرها، أما أنا فلست أفضل منهم فبالإضافة إلى أطياف ذكرى الراحلين التي أصبحت حصة رئيسية من حصص القلق الليلي، يسعدني أن أخبركم أيها القراء الأعزاء بأن الجزء الأكبر من القلق الذي يصيبني هو بسبب تفكيري الدائم وطمعي في موضوعات وكلمات تنال إعجابكم، والتي لا يحلو لها أن تنساب كالماء العذب إلا عندما أضع رأسي على الوسادة، فتجعل يدي تتخبط في الظلام كي أسجلها كأفكار متناثرة على الورق أفك شفرتها في الصباح. فلا شك أن السبب الأكبر في توتراتنا اليومية هو ما نعيشه من التغيرات الحياتية التي غيرت الأفكار والتطلعات وجعلتنا كمن يركض ليدرك كل شيء، وفي نفس الوقت لا نشعر بحقيقة التعب والصراع الذي نعيشه من أجل كل شيء نريده إلا عندما نعود لننام، فلا نستطيع أن ننام. لنهدأ قليلاً فالكثير مما نجري ونلهث من أجله كي لا يفوتنا لا يستحق أحيانا أن نضحي براحتنا وصحتنا من أجله، ونستهلك تفكيرنا فيه، لكن إن كان البعض مثلي يجد متعته وحياته في السهر، ويستعذب الأرق أحياناً، فلا بأس، فكما قال الخيام: فما أطال النوم عمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر.. ولنا جميعا إن كان الأرق يرافقنا، والنوم يجافينا فلاً بأس أيضا فهناك يوم لابد آت.. سوف ننام طويلاً. [email protected]