13 سبتمبر 2025
تسجيلقد تتساءل أحياناً لماذا تتسابق دول العالم وتتنافس في الحصول على استضافة كأس العالم؟ ربما لوهلة تعتقد أن الإجابة بأنه مجرد أن يكون أهل البلد من عشاق اللعبة أو من أجل الشهرة، أو من أجل أن ترى لاعبك وفريقك المفضل وتلتقط معهم الصور التذكارية وتضعها في غرفتك أو في صفحاتك في وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتها مع أصدقائك وأحبتك، بالتأكيد ليست الإجابة كذلك، بل هي استثمار بعيد المدى بمعنى "ضربة معلم" تستضيف البطولة في عام وتجني وتستمر أرباحها في عدة أعوام، تشيد المباني والملاعب والمساكن والفنادق وتأتيك الشركات الأجنبية راغبة وحالمة لتسابق الزمن وتعرض منتجاتها في أهم حدث عالمي، وكل ذلك السباق من التجار ليس من فراغ أو حُبًّا أو تبذيراً أو غنى، ولكن من أجل أن تفوز الشركات التجارية بالتسويق والربح وعرض منتجاتها ليس في البلد المستضيف وحسب بل كأنها سافرت إلى كل دول العالم الذين سيشاركون في البطولة وتوسيع تجارتها وأرباحها، و"تضرب عصفورين بحجر واحد" فقد قيل "التاجر مخاطر"، وعندما ترى التاجر في مكان ما فاعلم أن صديقه وحبيبه ليس بشراً بل "الفرصة" الفرصة وحدها واغتنامها هي صديقه الصادق الصدوق الذي يحركه خلف مصالحه ولقمة عيشه وباب رزقه، هذه هي المعادلة بكل بساطة، وعلى قدر ربح التاجر يكون البلد المستضيف ربحه أضعاف ذلك ومهما كان التاجر سعيداً بمكسبه وأرباحه إلا أن البلد المستضيف هو الرابح الأكبر وربحه ليس في اللحظة وحسب بل بعيد المدى، توفر الفرص الوظيفية للمواطنين والمقيمين وتقضي على نسب عالية من البطالة، ومن لديه وظيفة واحدة ستكون وظيفتين وإن كانت أثناء البطولة، تقوي اقتصادك وتعرض وتسوِّق بضاعتك ومنتجاتك وهي فرصة لا تأتيك كل يوم، استثمار الفضائيات والإعلام والجماهير والشركات العالمية في الحجوزات المسبقة من المواصلات بدءا من تذاكر الطيران إلى المواصلات العامة من سيارات الأجرة والباصات والقطارات وصولاً إلى الفنادق السكنية، ثم المطاعم والمولات، التسوّق ودعم المحلات بملايين الزبائن من الزوار والجماهير من مختلف الثقافات والأعراق، انتعاش السياحة الداخلية كما لم تكن من قبل، والدعاية المجانية التي تدر عليك ربحاً دون أن تطلب، لفت انتباه كبار التجار في العالم وصراعهم وسباقهم على الحصول على تسهيلات من أجل نقل جزء من استثماراتهم وعرضها وتسويقها في أهم حدث عالمي يجعل الكرة الأرضية تتوقف عن الدوران وتدور حول البلد المستضيف للبطولة، العالم كله يوجه إعلامه وأنظاره إلى البلد المستضيف، بينما السياحة في البلد ستنتعش أضعافاً وتضيف الكثير من الأموال، والتاجر الذي يبيع السلعة بريال اليوم تأتيه فرصة من ذهب وربما سيبيعها بأكثر، سيكون الرابح البلد والشعب وكل من يعيش في البلد المستضيف سيأتيه خير من حيث يعلم أو لا يعلم من تلك الاستضافة، لذلك ترى في كل حدث عالمي طلبات ملفات الاستضافة أكثر من مكتبة تضم العديد من الكتب، وكل ذلك السباق ليس من فراغ، بل من أجل كل ما ذكرت، وثق تماماً أن من يفوز بالاستضافة نجاحه لا يقدر بثمن وحسب بل بصمة لا تنسى، لقد رأيت ولمست يا من تقرأ إلى حد هذه اللحظة ما تم إنجازه وجهوزيته لاستضافة كأس العالم ٢٠٢٢ في دولة قطر، لقد شهدت شيئا لم تره من قبل، بل ربما كنت تسمعه وتراه وتتخيله في أحلامك، لكن الإرادة والعزيمة والإصرار من صاحب القرار جعلك تعيش الحلم واقعاً، رأيت الملاعب وقد شُيِّدت بأحدث المعايير الدولية بل فاقت التوقعات المنطقية، والطابع الأجمل بأن أسماءها وتصاميمها بطابع تراثي عربي قطري وهي رسالة أن النجاح لا يعني التخلّي عن التراث والمبادئ وثقافة البلد المستضيف، بل يكون باباً لإيصال الرسالة بأن سر النجاح هو الرضا والفخر والافتخار بتراث البلد وتسويقه بأجمل صورة، فالكل رأى في دولة قطر بعد افتتاح ملعبي الثمامة واستاد البيت أن الصورة تتحدث عن نفسها وتجعلك تعلم أننا أمة نستطيع أن نصل إلى النجاح وأن نتفوق وأن نكون مثالاً يحتذى به، وهذا درس جميل في التاريخ سيظل خالداً لكل الأجيال، يستحق أن يُكتب عنه بحبر من ذهب ليس إطراء بل واقعاً لامسه الجميع وشاهده القريب والبعيد وشهد به كل منصف رآه، اتفقت أو اختلفت اعلم بأن الأمل والحلم يتحقق بالحنكة والحكمة والإرادة التي رأيناها وستظل استضافة كأس العالم ٢٠٢٢ في دولة قطر درسا لا يُنسى، سيكون أملاً لأمتنا العربية والإسلامية بأنه لا يوجد شيء اسمه مستحيل. @fyicl