19 سبتمبر 2025

تسجيل

المسلم الأخير

09 ديسمبر 2019

جسده آية، كل ما فيه ينبض ببساطة الإسلام، قلبه سليم، قرآنه إنسان كرَّمه الله، يؤدي فروضه، يرعى جاره، يُحسن إلى الفقراء والمحتاجين، يتعامل مع الجميع بمسطرة الإنسانية، لا يهمه بل ربما لا يعرف عقيدة صاحب المتجر الذي يشتري بضاعته منه، كل أهل الفريج مسلمون في نظره، لاينوي على شر، ولايكتنز حقداً ولايحمل حسداً، يفتخر بتاريخه ويعتز بلغته، بيئته طاهره، مجلسه فواح برائحة الأخوه، الإسلام عنده واضح وبسيط، قلب سليم ومحبة ورحمة، لايحتاج إلى تصنع، ولا إلى التكلف ولا إطالة اللحى، ولا إلى شيخ يقلده أو مطوع يلبس جلبابه. يؤدى واجباته الدينية وكفى، ويقوم بحاجاته الدنيوية بإنسانية لاتعاني من ضغط مهما كان نوعه؛ دينياً كان أم اجتماعياً. في المسجد لايستمع إلى خطبة إيديولوجية تحت شعار ديني، لذلك عالمه ليس منقسماً ولايعاني من الانشطار النفسي، خطيب المسجد عنده موظف، إذا لم يدرك شيئاً من عادات المجتمع وقيمه وسلوكياته أرشده وعلمه. يرى الخير في جميع الناس، لم ترد إلى سمعه كلمة التكفير،إذا غم عليه شئ أو استشكل عليه أمر سأل أحد المشايخ القريبين منه والمعدودين عنده. كان ينشر الدين عملياً، ويحبب فيه الغريب تعاملاً، وطنه ليس مجالاً للمساومة، إسلامه ليس على حساب وطنه، ولاوطنه مشروعاً أصلا لانتهاك إسلامه. عايش المد القومي ولم يتأثر إسلامه به، يدرك أن الإسلام الحقيقي ليس في تضاد مع قوميته العربية، لم يخلط بين الفكرة والتطبيق. كان حصيفاً رائعاً، لأن إسلامه إنساني، لايعمم، ولايتهم، ولا يبحث في النوايا والسرائر، أذانه بسيط بلا ميكروفونات صاخبة، وصلاته بلا بروفات، كان مرتفعاً إلى مستوى الدين، ولم ينزل به إلى مستوى نزعات النفس البشرية وشهواتها، تغير الإسلام من حوله وإذا به يُتهم بالمسلم الساذج الذي لا يثور، وأنه لابد له من بيعة، ولابد له من فصيل يتبعه وآخر يتبرأ منه، وأُحضرَ له كتالوج من الماضي لكي يحدد أمره ويحزم شأنه ويبدأ إسلاماً جديداً يقوم على الولاء والبراء وليبدأ بعشيرته الأقربين، هذا لايصلي فهو كافر، وجاره يتأخر عن صلاة المسجد فهو من مذهب آخر، والتاجر الذي يتبضع من متجره يدخن بشراهة فهو عاص ولا يجب الاستمرار معه، وأحد مرتادي مجلسه غير متزوج فهو خطر ويجب نهره وإبعاده، وخطيب مسجده يدعو للحاكم بالصلاح فهو منافق، وتنبهه إلى أن التلفزيون مفسدة، فحرَّم بيته مشاهدته، وطبيب السكر الذي يعالجه زمناً مسيحي فتبرأ منه،والخادمة في بيته بوذية فطردها. اجتماعيته تحولت إلى فردانية قلقة متوجسة،هكذا استحال الإسلام من طمأنينة إلى قلق وتوجس فانهمرت دموعه، وأصبح ليله بكاء ونهاره استغفارا على مافرط قبل ذلك، فهو لم يكن مسلماً كما ينبغي قبلاً هكذا أرشده وعيه بالرغم من كونه إنساناً رائعاً، وهنا المفارقة. [email protected]