11 سبتمبر 2025
تسجيلفي أغسطس عام 1990 وقع الزلزال الكبير على شاطئ الخليج العربي السياسي والاجتماعي، فدولة الكويت ابتلعها الجيش العراقي المحكوم من حزب البعث آنذاك، والرئيس العراقي الراحل صدام حسين وقيادته قرروا معاقبة النظام الكويتي لخطأ فادح في حساباتهم العربية والعالمية، ومن نتائج ذلك الغزو أن الدول العربية الشقيقة في الخليج استفاقت فجأة لتجد نفسها داخل دوامة الخوف من اليوم التالي، وأول قرار اتخذه الجميع هو التخلص فورا من الخلافات السياسية والجيوسياسية العالقة والذهاب في طريق التضامن لمواجهة خصم عنيد، لقد اشترك الجميع في المواجهة، ليس لتحرير الكويت وإعادتها للخارطة، بل لحماية أمن بلدانهم ومصيرهم وأنظمتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية.اليوم وبعد أربع وعشرين سنة على الذكرى المؤلمة، تنعقد قمة الدوحة ليلتئم مجلس التعاون الخليجي مرة أخرى في ظل عواصف وأعاصير وقلاقل تضرب العالم العربي، عسكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا، مرة أخرى، وهذا يثبت أننا العرب لا نتعلم ولا نعتبر من دروس التاريخ القاسية، فحتى وقت قريب لم يكن البعض يرغب في أن تنعقد هذه القمة، كل لأسبابه الخاصة، ولكنها بفضل حكمة الحكماء وصلت إلى شاطئ الدوحة بسلام، ولعل واحدا ممن حرصوا على انعقادها حسبما تابعنا هو الشيخ صباح الأحمد الصباح أمير دولة الكويت، الذي يعي تماما معنى أن تكون دولته حرة وقراره السياسي بيده، ويفهم معنى أن تكون ضحية لتهديد عدو متربص في أي لحظة.إذن القادة الخليجيون مع التقدير لهم، هم أعلم بمكامن الخطر، وهم الأعلم بطريق الخلاص من المشاكل العالقة التي توتر صفو العلاقات البينية في إقليمهم، وهم الذين يقررون خارطة الطريق الجديدة للنصف القادم من هذا العقد الثاني لهذا القرن الذي سيكون ثقيلا جدا بتغيراته السياسية والديمغرافية والاجتماعية بعد إرهاصات السنوات الأربع الماضية، فالحروب في أغلب بلاد العرب ليست حروبا تقليدية بين جيش وجيش، بل تحولت إلى حروب أهلية تدعمها جيوش رسمية، أوصلتنا إلى درجة من البؤس والشقاء والكراهية بين الشقيق وشقيقه، ولهذا فعلى القادة الخليجيين أمانة في أعناقهم ليدرأوا الأخطار وتهديد الأشرار عن بلادهم وشعوبهم.في ما مضى من سنين طويلة كانت القمم العربية شكلية، وقلما رأينا قمة يكون فيها النقاش والقرار آنيا وفعليا، فوزراء الخارجية كانوا هم من يقوم بإخراج البيان الختامي للقمة بالترتيب مع الأمانة العامة، ولكن المستجدات الحالية تدفع إلى تطوير التفكير السياسي، فالقرار الذي يجب أن يتخذ قد يقرر مصير شعوب المنطقة بأكملها، خصوصا أن مجلس التعاون الخليجي هو المنظومة الوحيدة الباقية ضمن التحالفات السياسية العربية العليا، بعد انهيار الاتحادات السابقة، وعلى القادة أن يسعوا بكل أمانة وإخلاص للقيام بكل ما من شأنه رفعة بلادهم والارتقاء بشعوبهم، سياسيا واقتصاديا.الجانب الأهم من القضايا المقلقة لخليجنا العربي وعالمنا العربي هي إيران بكل تضخمها السياسي والعسكري والتي استطاعت أن تطوق المشرق العربي كله بأذرعها العسكرية بعدما اعتمدت في السابق على الخطاب السياسي، فشئنا أم أبينا فإن الأخطبوط الإيراني قد سيطر تماما على خارطة الشرق العربي، فبعد العراق ها هي في اليمن بكل قوة وباستعمار أيديولوجي عجيب، والشقيقة عمان فتحت لها ملعبا سياسيا مع الغرب، وسوريا النظام والجيش تحت إمرتها، ولبنان حالة متقدمة جدا بالنسبة لها، وبرنامجها النووي مستمر دون تلكؤ، وكل هذا يجري ولا يوقف قطارها أحد، وكل ذلك يجري والعرب غارقون في خلافات تافهة لا تخدمهم ولا تؤثر عليهم، فيما الخطر الحقيقي يغمضون أعينهم عنه.يبقى ملف الإرهاب وهو التحدي الجديد الذي يهدد المنطقة، ليس بخطره العسكري، بل الفكري، ففي ظل تسابق دول العالم، شعوبا وحكومات، للوصول إلى أعلى مراتب العلوم والتكنولوجيا والصناعات والخدمات الإنسانية وحماية البيئة، واستحداث خطط جديدة لاستمرار الموارد، نجد أن عالمنا العربي غارق بالدماء والقتل والتدمير وانهيار الدولة وتكفير المعارضة السياسية لحساب الفكر المتطرف الذي يتغذى على كراهية الأنظمة الحاكمة للعلم. وما ترجوه شعوبنا من قادتها أن يعيدوا إنتاج فكرهم ومنهجهم وسياساتهم التي تحكم بلادهم وتحدد علاقاتها مع الأشقاء بناء على معطيات الواقع الجديد، فالخطر الذي يهدد دولة واحدة قد يهدد كل الدول، والاعتماد على القوة الخارجية أثبت فشله عندما تنهار القوة الداخلية، ولا شيء يبني القوة الداخلية لبلادنا سوى كرامة الشعوب ومنحها حقوقها السياسية والمعاشية وحرية التعبير والمشاركة الإيجابية في الحكم الراشد، ثم بناء قوة عسكرية مشتركة تحمي الأرض والإنسان، ليس كما سبق من ديكورات، كقوات الردع العربية ومعاهدة الدفاع العربي المشترك ثم عند الغارة لا نجد النجدة.. بالعربي الفصيح: اتحدوا ولا تفرقوا، تعاونوا ولا "تتخاونوا"، فهذه فرصتكم فلا تضيعوها.