10 أكتوبر 2025
تسجيلخامساً: تناول الكتاب التوجهات السياسية للجامعة، فقد اتضحت توجهات الجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ البداية، وذلك من خلال العرض التاريخي لنشأتها. وهذه التوجهات: هي التوجه الديني وقد أوضحت إحدى وثائق الجامعة أن الهدف هو ضمان الشخصية المسيحية للجامعة وتنمية الولاء المسيحي لدى المدرسين والطلاب، وكذلك التوجه الاجتماعي والتوجه الأكاديمي، وقد تم اجتماع في 11 يوليو 1919م "بواشنطون" أسفر عن إصدار بنود قوانين الجامعة الأمريكية بالقاهرة كما يلي: أولاً الاسم: الجامعة الأمريكية بالقاهرة (The American University at Cairo). ثانيا الهدف:" تقديم التربية المسيحية لشباب مصر والأراضي المجاورة لها، وذلك عن طرق إقامة معهد للتعليم على أعلى المستويات التربوية الفعالة، لتظهر للعالم الإسلامي السمات الخلقية للسيد المسيح، التي باستطاعتها وحدها تنشيط الحياة الفكرية وبعث روح التجديد في المجتمع، وإصلاح حياة الفرد". سادساً: أقسام الجامعة كالتالي: كلية الآداب والعلوم، ومدرسة الدراسات الشرقية، وقسم الدراسات الممتدة، وكلية التربية، ومركز البحث الاجتماعي، ومعهد اللغة الإنجليزية. ويتجه اهتمام الفصل الرابع للوقوف على العلاقة بين الأهداف المعلنة للجامعة والممارسات الداخلية في المدة من 1920م حتى عام 1956م، حيث قد ظلت الوجهة التبشيرية خلال هذه المدة هي المحور الذي تدور حوله بقية الأهداف المعلنة من إعداد النخبة، ونشر الثقافة الأمريكية، وخدمة المجتمع المصري وكانت الجامعة تسعى لتحقيق أهدافها من خلال أقسامها المختلفة. وكان الهدف الديني أن تمثل الجامعة قمة الهرم التعليمي التبشيري في وادي النيل وأن تقوم بتقديم دروس لطلاب المرحلة الجامعية ودراسة مهنية لكل من المسلمين والمسيحيين في مصر والأراضي المجاورة. وكانت هذه الدروس تشمل تعليم الإنجيل وعلومه، وإعداد النخبة الحاكمة وفقاً للمبادئ المسيحية وقد طورت الجامعة عل هذا الأساس ما تمارسه من وسائل لتحقيق أهدافها وذلك من خلال الاجتماع الديني، المحاضرات العامة، المناهج الدراسية، اختيار أعضاء هيئة التدريس، وأنشطة الجامعة الأخرى. ويمكن القول بأن الجامعة قامت بدور خطير في كشف دقائق الأمور والمشكلات الاجتماعية في مصر ودول الشرق الأوسط، بحيث تستطيع أمريكا من خلاله بسط الهيمنة الثقافية على المجتمع المصري. ومما سبق نستطيع أن نلمس الأهداف الحقيقة للجامعة، وهي السعي لتنصير المجتمع المصري، وإيجاد تبعية ثقافية أيضاً، وقد جاءت التبعية في إطار الجانب الديني. واهتم الفصل الخامس برصد واقع المجتمع المصري، وتحليل أوضاعه في النواحي الفكرية والسياسية والاقتصادية والوقوف على مدى ما أسهمت به تلك الأوضاع في إيجاد مناخ مهيأ للجامعة مكنها من الاستمرار في تبني أهدافها، وقد تناول هذا الفصل الأوضاع الفكرية في الواقع المصري وركزت المؤلفة على الفكر الليبرالي، والفكر الاشتراكي، والفكر الإسلامي التجديدي. ثم الأوضاع السياسية في الواقع المصري، ثم الأوضاع الاقتصادية في الواقع المصري وقد أظهر هذا الفصل أوضاع المجتمع المصري الفكرية وما أحدثته من تغيرات على الأصعدة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، كما تأثر المجتمع المصري أيضاً بالمتغيرات العالمية في تلك المرحلة من الصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي والتنافس بين الدول الكبرى على بسط نفوذها على العالم، وقد انعكست كل هذه الأوضاع على الجامعة الأمريكية بالقاهرة وأهدافها، لذا نجد في أعقاب ثورة يوليو حتى عام 1963م تغييراً في الأهداف المعلنة للجامعة الأمريكية لكي تتواءم مع النظام الجديد، كما نلمس نوعاً من الكياسة والحذر في الإفصاح عن المضامين الدينية التنصيرية وظهر ذلك أيضاً في ممارسات الجامعة الداخلية. وعام 1963م له دلالة حيث لم يظهر التغيير في الأهداف المعلنة للجامعة إلا في هذا العام. وبرغم كل الاحتياطات التي وضعتها الجامعة في تلك المرحلة، فإن دافع الجامعة للحفاظ على إعداد نخبة تعمل لصالح الغرب، والتركيز على التقرب من الحكومة والطبقة الحاكمة الجديدة في المجتمع، جعل الجامعة تستثني أبناء مجلس قيادة الثورة الجديدة، من شرط الحصول على مجموع الدرجات المطلوب للقبول. وتناولت المؤلفة في الفصل السابع وضع الجامعة الأمريكية بالقاهرة في الستينيات، والأهداف المعلنة للجامعة الأمريكية بالقاهرة في ظل التحول الاشتراكي، فقد انعكست الأوضاع والظروف في المجتمع المصري والعلاقات المصرية الأمريكية المضطربة خلال فترة التحول الاشتراكي في مصر على الأهداف المعلنة للجامعة الأمريكية. وتبنت الجامعة أهدافاً جديدة، لكي تتناسب مع الأوضاع المجتمعية والعالمية المتغيرة، ولكي تحاول إثبات أنها تعمل لخدمة المجتمع المصري حتى تتمكن من الاستمرار في وقت كانت الاتجاهات العدائية تتعاظم نحو كل ما هو أمريكي. والممارسات والأنشطة المتعلقة بتحقيق الأهداف المعلنة والذي تمثل في صورة المسؤوليات التعليمية وخدمة المجتمع المصري ومواجهة تحديات التنمية والطباعة والنشر وأيضاً تعامل الجامعة مع النخبة. ويلقى الفصل الأخير الضوء على وضع الجامعة الأمريكية مع بداية التوجه الجديد للنظام السياسي المصري – في عهد السادات - نحو إقامة علاقات وطيدة مع الغرب ومع أمريكا على وجه الخصوص والذي بدأت مؤشراته مع بداية السبعينات وتبلور بصورة واضحة عام 1974م مع تبني مصر سياسة الانفتاح الاقتصادي. وقد سارت الأحداث بخطى سريعة لتدعيم مصالح الجامعة الأمريكية، فقد اعتمد الرئيس "السادات" البروتوكول الرسمي للجامعة في عام 1976م، الذي تضمن أهداف الجامعة الأمريكية ونظام العمل فيها، وقد تناول هذا الفصل وضع الجامعة في السبعينيات، ثم بروتوكول عام 1976م، وتأكيده استقلالية الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأخيراً الأهداف المعلنة والممارسات الداخلية التي تمثلت في المسؤوليات التعليمية والثقافية، وخدمة المجتمع المصري وإعداد الصفوة. وفي النهاية نستطيع استشراف دور الجامعة الأمريكية (AUC) من خلال التوضيح الرائع الذي ظهر به هذا الكتاب المهم وما قام به أيضاً من تحليل لأهدافها الأولى وما طرأ عليها من تغيير وامتداداتها في الواقع الراهن، ويمكننا القول أنه بفضل ما تقدمه من القيم والثقافة الأمريكية تمثل هذه الجامعة أحد آليات الهيمنة الأمريكية والتبعية وبخاصة في عصر العولمة التي تسعى فيه أمريكا للسيطرة على العالم وذلك لكون خريجي هذه المؤسسة روادا لهذا المجتمع وطليعة هذا العصر بما يحملونه من قيم وثقافة الدولة المسيطرة عالمياً. وهناك قيمة إضافية لهذا الكتاب الخطير تتمثل فيما حواه من وثائق سرية استطاعت المؤلفة الحصول عليها لتوثيق رؤاها وتدعيم تحليلاتها. فتحية لها وللناشر على هذا الجهد المحمود.