14 سبتمبر 2025
تسجيلقدر لي أن أشارك في مؤتمر "الخليج العربي والعالم" في الرياض، الذي نظمه مركز الخليج للأبحاث بالاشتراك مع المعهد الدبلوماسي التابع لوزارة الخارجية السعودية في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر هذا العام. شارك فيه العديد من الدول أذكر منها إلى جانب بعض الدول العربية، الصين والهند وباكستان وإيران وتركيا وكوريا الجنوبية وقائمة يطول ذكرها من الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية على مدى يومين، والحق أن ذلك المؤتمر وما دار فيه من مداولات وحوارات جدير بالاهتمام من قبل القيادات السياسية لدول مجلس التعاون والأمانة العامة للمجلس على وجه الخصوص. هذا المؤتمر عقد قبل انعقاد قمة مجلس التعاون السنوية المقرر انعقادها في الأسبوعين القادمين. (2) من الملاحظ أنه في الغالب تنتهي مراقبة الأحداث في أي منطقة من العالم ذات حيوية إستراتيجية إلى توليد فرضيات يبنى عليها فيما بعد نظرية سياسية مع تقدير أن تأتي متغيرات ما تعدل في منطق النظرية ولكن دون أن تلغي أساسياتها. في هذا الإطار ينظر بعض المراقبين السياسيين إلى العوامل التي حفظت وتحفظ الأمن الإستراتيجي للخليج العربي علما بالأحداث العاصفة التي تتم من حوله وفي داخله، ويكاد البعض يصل إلى فرضية ــ لم تتحول بعد إلى نظرية ــ فحواها أن ما يحفظ على الخليج أمنه هو وجود مصالح دولية متعددة الأطراف بما يجعل من مهمة كل طرف دولي أن يضع أمام الآخرين " خطا أحمر " يمنع تجاوزه، غير أن اعتماد الحماية على التوازن الدولي في منطقة الخليج العربي قد حمل معه أثمانا باهظة فالذين تولوا وضع الخطوط الحمراء إنما اقتصروا مهمة الحماية على أنفسهم وليس على بناء القوة الذاتية لمجلس التعاون الخليجي كطرف فعال في المنطقة. إن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها من الأوروبيين لم يقبلوا برفع القدرات التسليحية والكفاءة التدريبية لدول مجلس التعاون تحت ذريعة أن ذلك يخل بالتوازن العسكري الإستراتيجي العربي مع إسرائيل. إذا يعمد الغرب والولايات المتحدة إلى التأكيد على فرضية الحماية الدولية المتعددة الأطراف لأمن الخليج وليس إلى تنمية القدرة الدفاعية الذاتية لدول المجلس، وذلك لتحقيق شكل من أشكال "التبعية" الإستراتيجية ومن الملاحظ أن دول المجلس قد خضعت لقبول مبدأ " التبعية " إذ راحت كل دولة من دول المجلس ترتبط بمعاهدات دفاعية ثنائية مع أمريكا وبعض الدول الغربية وروسيا. الغريب أننا نسمع أصواتا عالية في دول مجلس التعاون صادرة من قيادات ومن أصحاب رأي يقولون إن أمن الخليج العربي هو مسؤولية دولية علما بأن النظام الأساسي لدول مجلس التعاون ينص على أن أمن الخليج هو مسؤولية أبنائه فكيف نزاوج بين معاهدة التأسيس وما يقول به بعض النخب الخليجية. (3) في هذا المؤتمر " الخليج والعالم " اعترف الأمير تركي الفيصل ـــ رئيس سابق للاستخبارات السعودية وسفير سابق للمملكة العربية السعودية في كل من لندن وواشنطن ـــ بتأخر دول مجلس التعاون في صوغ إستراتيجية سياسية وأمنية واقتصادية وثقافية مستقلة، وذلك بعد الأخذ بمعطيات حالية (الربيع العربي) تظهر انكشافنا الإستراتيجي أمنيا وسكانيا وثقافيا واقتصاديا وسياسيا وتنمويا وقال: "لقد علمنا التاريخ أن تغير الأحوال من سنن الحياة، وأن من ينجو من تداعيات كثير من التغيرات السلبية هم من استشرفوا هذه الثغرات، وحصنوا أنفسهم منها، وتقدموا بما تمليه عليهم متطلبات التقدم إلى الأمام". وأكد سمو الأمير تركي أنه رغم أهمية موقع دول مجلس التعاون وما تمتلك من ثروات هامة للعالم كله لا يمكن أن يكون ذلك الحال ضمانا كافيا لبقائها بمنأى عن التقلبات الإستراتيجية في العالم وعن التنافس بين قواه على النفوذ فيه، ويجب ألا نسمح بفرض خيارات الآخرين علينا بحجة ضعف قدراتنا العسكرية. إننا مطالبون كما قال بإعادة التفكير في أهدافنا للتكامل والتنسيق بين دول المجلس للارتقاء بها وبدورها في العالم، ولاسيَّما أن الظروف والتطورات المحلية والإقليمية والدولية تفرض علينا ذلك وما المانع من أن يتحول هذا المجلس إلى دولة ذات سيادة، تنطلق بروح جديدة واضحة الهدف النهائي. لم يقل الأمير برياح التغيير التي تجتاح العالم العربي " رياح الربيع العربي " صراحة، إلا أن كل ما قال به كان يجري في وجدانه وفكرة المتغيرات الزاحفة على أنظمة الحكم العربية والتي تعارف القوم على تسميتها " الربيع العربي ". لقد أثار سموه الكثير من التساؤلات المهمة؛ إذ قال: ما الذي يمنع من المباشرة في بناء جيش خليجي متحد وبقيادة واحدة؟ ما الذي يمنع من امتلاكنا للسلاح النووي إذا فشلت الجهود لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل؟. لقد أكد الأمير تركي على استطاعتنا على تأسيس مجلس شورى منتخب لدولة واحدة، ونستطيع أن نؤسس قوة عسكرية واحدة، ونستطيع أن نؤسس اقتصادا واحدا بعملة واحدة، إننا نستطيع أن نؤسس لمناهج تعليمية واحدة، إنه لا يجوز لنا أن نجعل منطقتنا سوقا لعمالة العالم وأبناء مجتمعنا عاطلون عن العمل، وفي هذا السياق أشار سكرتير الأمن القومي الهندي في كلمته إلى أنه يوجد هنا كما فال ستة ملايين عامل هندي. والحق أن كلمة الأمير تركي الفيصل لاقت الكثير من الاستحسان ومست مشاعر الكثير من الناس خاصة أبناء الخليج المشاركين في هذا المؤتمر وكانت محور مناقشات عامة بين المشاركين وفي بعض مجالس الرياض التي قدر لي شرف المشاركة فيها رغم ليالي الرياض الباردة هذه الأيام. آخر القول: "اقتبس الأمير تركي جملة واردة في إعلان الرياض الصادر عن قمة مجلس التعاون عام 1999 اختتم بها مداخلته "أن التاريخ لا يصنعه المتفرجون من بعيد، وأن الأحداث لا يصوغها المنعزلون المتهيبون"، وأضيف: التاريخ يصنعه العظماء.