20 سبتمبر 2025
تسجيلتنهار مصداقية الإعلام والإعلاميين، حين ينشرون أخباراً يظهر كذبها وتضليلها بعد ساعات، لاسيما مع وجود الشبكة العنكبوتية، التي توفر لكل من يتعامل معها ميّزة فرز القمح من الزوان، والصدق من الكذب، فينكشف الغطاء، ويظهر كذب صاحب الخبر أو صدقه، وهو أمر معيب لوسائل إعلام شهيرة اكتسبت مصداقيتها ومهنيتها لعقود، لكنها آثرت أن تضحي بسمعتها وشهرتها من أجل تشويه جهة ما، لا تتفق معها أيديولوجياً أو فكرياً، فأعلنت الحرب على الحقيقة والصدق، ولو أدى ذلك إلى تبين كذبها بعد دقائق أو ساعات، مثل هذا يتكرر كثيراً، وسيتكرر أكثر مع انتصار حركة طالبان الأفغانية، وهزيمة التحالف الدولي بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان. فاجأت وسائل إعلام دولية غربية وعربية العالمَ كله بنشر خبر عن قطع حركة طالبان الأفغانية لرأس لاعبة كرة الطائرة الأفغانية (محجبين حكيمي)، وبعد التحقق من الخبر تبين أن القصة حصلت قبل دخول حركة طالبان الأفغانية إلى العاصمة كابول، وأن الواقعة وقعت في آب/أغسطس على الأرجح، حيث روى والدها محمد سرور حكيمي الحقيقة لوكالة آماج الأفغانية، قائلاً: "إنها لم تنتحر ولم تقتلها طالبان، وإنما من قتلها هو خطيبها"، وتابع والدها روايته فقال للوكالة: "في السادس من آب الماضي، وبينما كان أشرف غني رئيساً، كنت أقوم بعملي في منطقة جاغوري بولاية غزني، فرنّ هاتفي، وحين أجبت المتصل، أبلغني أن ابنتي حاولت قتل نفسها، وهي الآن فاقدة للوعي، وفي المشفى. اتجهت إلى كابول حيث كانت تقيم ابنتي مع أهل خطيبها، ليتبين أنها لم تنتحر، وإنما قتلوها، بخلاف ما أعلنوه". لقد وظفت وسائل الإعلام الدولية المتشفيّة من طالبان، كل عناصر الحبكة الدرامية للروايات البوليسية، فعناصر الرواية البوليسية كما ذكرت، هي سيدة أفغانية تقيم في العاصمة كابول، وفي الوقت نفسه لاعبة بكرة الطائرة، وهو أمرٌ نادر جداً في بلد معروف عنه بأنه مجتمع تقليدي محافظ، يُضاف إليه أنها من عرقية الهزارة الأقلوية، وهي الأقليات التي تطرب لها آذان الإعلام الغربي وبعض الإعلام الشرقي. كلها عناصر تشويقية للقصة يرقص لها طرباً الإعلام المعادي لطالبان. لكن الفرحة لم تكتمل لهذا الإعلام الذي طار بالخبر، وركّب له أجنحة وذيلاً وكل ما يحتاجه للطيران ليصل لكل مكان، فقد عرّى النبأ سريعاً المواقع المحسوبة حتى على الهزارة أنفسهم، وفضح الأمر أكثر تصريحُ والد المغدورة الذي لم يدع مجالاً للتأويل والتفسير. الإشكالية ستظل تلاحق الإعلام الذي يبحث عن أي خبر، حتى ولو كلّفه مصداقيته وتاريخه الإعلامي المهني، وهو ما ظهر بوضوح، في قصة حكيمي وقصص أخرى شبه يومية، يتم اختلاقها ضد طالبان وغير طالبان. فقد كنا نظن أن مثل هذه الأخبار حكرٌ على الصحافة الصفراء، فتحوّلت للأسف كثير من الصحف ووسائل الإعلام المعروفة إلى إعلام أصفر حين تعلّق الأمر بطالبان، وبمن يراه الإعلام على شاكلة طالبان، لتخسر وسائل الإعلام هذه مصداقيتها إرضاءً لشهوة أصحابها، بعيداً كل البعد عن المهنية والمصداقية، وهي شهوة لا تتعدّى الساعات وربما الدقائق، فلم يعد العالم واسعاً مترامي الأطراف، بعيداً عن بعضه، بحيث تستطيع الوسيلة الإعلامية تضليل متابعيها وقرائها إلى الأبد. إن أي خبر يحصل اليوم يمكن تأكيده ودحضه خلال دقائق، فهل تدرك وسائل الإعلام أنها لم تعد قادرة على تضليل الجمهور وخديعته!. لعل في قصة حكيمي درساً لمن أراد أن يصحو من سكرته، فظن أنه لا يزال لوحده قادراً على التفرد بالخبر، وقراءته وتحليله، بل فرض أجندته الخبرية. وللأسف ففي ظل ما ينسجه كثيرون من روايات وقصص عن طالبان، ظنت بعض وسائل الإعلام أنها حتى لو أتت بالغرائب والعجائب فإن المشاهدين والقراء والمتابعين سيصدقونها، ولن يجادلوها، أو يبحثوا في مصداقية ما تقذف من كذب وأضاليل، فقد رفعت شعارها العملي: (حدثوا عن طالبان ولا حرج!).