14 سبتمبر 2025
تسجيلهناك رجل واحد في حياتي عاصرته صغيراً وشاباً كنت أراه مثالاً ومدرسة للحياة، هو لم يتعلم سوى أمر واحد كيف يقرأ القرآن.. عاش مراحل حياة مختلفة طوال أكثر من مئة عام وعقد.. تنقل ما بين اليتم والفقر ثم أسس حياة وصلت به لأن يكون من الأغنياء ومع هذا لم تتبدل حياته البسيطة والمتواضعة في كل أمر لا أعلم أنه ترك صلاة في مسجده الذي بناه بجانب بيته سوى في مرضه القاهر.. ومن النادر أن يمر أسبوع واحد ولا يوجد في بيته ضيف، ولا زلت أتذكر تلك الأعياد التي كنت أقف فيها من الصباح حتى المساء نستقبل الضيوف.. عاش سنوات طويلة لا يعرف السيارة يقضي حوائجه مشيا على الأقدام سرت معه في بعض الأيام ممسكاً بيدي وفي يده الأخرى عصاته نتجول في الجبال والشوارع والوديان، أتذكرها حلماً بين وقت وآخر ذلك الشيخ الكبير كتب تاريخاً من الشرف والكرم والخلق وهذا ليس بشهادتي بل بشهادة أهل مدينته أبها التي أحبها فأحبته.. لم أعلم أنني شاهدته في مستشفى بل كان يرفض حتى الأطباء في بيته وعلى سريره، ففي مرضه كان لا يطلب العلاج والشفاء إلا من الله، وذلك إيماناً قوياً قل من نجد في هذه الأيام من يتحلى به ومع هذا عاش حياته وهو يستمتع بصحته وقوته حتى مماته، رأيته يبكي حباً لأبنائه ويضحك مسامرة معهم يصلح بين الناس ويساعدهم بالمال والجاه، كان يتصل ويسأل عني وأنا مغترب عن مدينته رغم أني من أصغر أحفاده الذين تجاوزوا الستين فرداً ما بين ذكر وأنثى.. رحل عنهم وتركهم أغنياء ليس مالاً فقط، ولكن ذكراً وتاريخا.. ففي آخر حياته ورغم الزهايمر الذي داهمه قبل وفاته بأشهر قليلة كان يطلب المال ليضعه تحت وسادته ليس حرصاً عليه ولكنه كان يخشى قدوم ضيف ولا يكرمه.لا أكتب ذلك اليوم مفاخراً لأنه (جدي)، فالتفاخر بالأنساب جاهلية، ولكن لأن حياة الناس تجارب وأمثلة ودروس وحياة كل منا قصة تروى وتاريخ يسجل ولكن تلك القصة وذلك التاريخ لا يبقى منه سوى أفعال تترك أثراً في نفوس الناس، فالإنسان يموت ويعود للتراب ولكن أخلاقه تستمر وتبقى والخلق دين والدين عمل ظاهره مثل باطنه فلا تيأس لأنك يتيم ولا تحزن من فقر ولا تفرح بغنى فكلها تنتهي وتذهب وتندثر والحياة تتبدل وتدور، ولكن العزة تكون في أفعالك وأخلاقك وتجارب حياتك وسيرة تكتبها لأولادك وأحفادك يرونها مثالاً ويرونك قدوه تترك فيهم أثر الدين خلقاً وعملاً