21 سبتمبر 2025
تسجيلعذراً أيها العيد.. فقد لا تجد في قلبي مساحة للفرح والسعادة.. رغم أنني طالما كنت أترقب وفادتك، وأستعد لاستقبالك، لأروّح عن النفس من عناء الحياة ونصب العمل، ولأدخل السرور على الأهل وأوسع عليهم، وأجدّد حياتي معهم وبهم، وأوثّق التواصل مع الأرحام والأقارب، وأستحضر مع الأطفال ذكريات الماضي الجميلة.. معذرة لك ولأهلنا في الشام.. فكيف يفرح القلب.. بل قل كيف لا يبيت حزينا مهموما مكروبا.. ومحافظات حمص وإدلب ودرعا ودمشق ودير الزور وغيرها من مدن سوريا الحبيبة التي تستفيق كل يوم ودم الشهداء يلوّن فجرها، ويخضب حمرة شفقها بالأحمر القاني.. يتخطف الموت المدنيين من أحرارها في الشوارع والأزقة كل لحظة.. لا فرق بينهم وبين الماشية التي يضحي الناس بها في أيامك المباركة في دول أخرى.. وتدكّ بيوتها بالدبابات والراجمات.. لم يتغير شيء على الإطلاق.. رغم ما قيل عن موافقة النظام على مبادرة الجامعة العربية.. لم يتوقف شلال الدم البريء مراعاة لفرحة مقدمك، ولم تنسحب دبابات ومعدات النظام العسكرية من شوارع المدن والقرى رغم مرور عدة أيام على مبادرة الجامعة العربية، ولو كبادرة حسن نية، كما تنص بنودها ـ وهو ما كان متوقعا ـ، هكذا كان سلوك النظام في رمضان وعيد الفطر الماضيين حيث لم يراع حرمة الأيام الفضيلة أو يترك فرصة حتى للأطفال كي يفرحوا ويلهوا بعيد الفطر، وهكذا الحال في هذا العيد والمشتكى إلى الله. ظنّ بعض الأشقاء العرب أن العيد وبعد مبادرة الجامعة ربما سيكون مختلفا هذه المرة، فإذا بشلالات الدم تواصل تدفقها، بينما أنكر إعلام النظام السوري سقوط الشهداء الأبرياء، وكأن الحقائق يمكن حجبها بغربال، العيد بالنسبة للنظام لم يكن في الحقيقة سوى فترة إضافية لممارسة هوايته السادية في قتل المدنيين العزل والانتقام من المنتفضين، وسحق وتدمير ديارهم ومساكنهم، معوّلا على أن وصول لجان المراقبة المنبثقة عن اللجنة الوزارية العربية ودخول وسائل الإعلام ـ فيما لو فُعّلت وسمح هو بها ـ سيكون بعد إجازة العيد وهو ما سيمنحه على الأقل أسبوعا إضافيا من مهلة الأسبوعين التي حددتهما الجامعة لمراقبة سلوكه عمليا واختبار حسن وصدق نواياه واقعيا.. ولعل هذا ما اضطر الأمين العام للجامعة العربية إلى الخروج عن صمته محذّرا النظام السوري من عواقب كارثية إذا لم يلتزم بالخطة العربية لوقف العنف، وذلك بعد أن قتلت القوات السورية أكثر من 80 شخصا منذ أن قبلت الخطة الأربعاء الماضي وحتى صبيحة يوم العيد، ولعدم ظهور أي مؤشرات على وقف الحملات الأمنية والعسكرية ضد المدنيين أو سحب الجيش والمظاهر العسكرية من المدن والقرى المنتفضة. وبسبب ذلك عقد صديقي المغربي المقيم في قطر مقارنة مضحكة مبكية على صفحته الفيسبوكية ـ وشر البلية ما يضحك ـ بين سعر الخروف السوري الذي يضحّى به بالدوحة، وبين المواطن السوري الذي يسفك دمه في بلاده قائلا: "ذبح الخروف السوري في الدوحة يكلف 1280 ريالا، بينما لا يكلف ذبح المواطن السوري في بلده سوى ثمن رصاصة من عسكر بشار" !. إن كان لنا من فرحة وأمل أيها العيد فهي أن لنا إخوة وأشقاء صاروا لأول عيد ينعمون بالحرية كما في ليبيا بعد طي سجل القذافي وزمرته، ويتنسمون عبق الديمقراطية ويمارسون حقهم فيها كما في تونس بعد خمسة عقود من الديكتاتورية والحكم الفردي، عقب نجاح تجربة انتخابات المجلس الوطني . فيما الأمل يحدو الثورتين السورية واليمنية بأعياد قادمة ـ أو بأيام قبلها ـ يستعيدون فيهم حريتهم المسلوبة وكرامتهم المفقودة وحقهم في غد أفضل. وفي عيدنا الراهن دخلت مفردات الثورات في قاموس التهنئة بهذه المناسبة، وقد أعجبتني تهنئة صديقي السوداني التي أعرب فيها عن أمانيه بعيد أضحى مليء بالمسرات، وانتصار الثورات، وقبول الدعوات والأعمال الصالحات، وأن يعود على الجميع بالخير والبركات.. وذهاب الطغاة. كما أن من دواعي الفرحة بهذه المناسبة أيضا تطوع عدد من شباب "تنسيقية المغتربين السوريين لدعم الداخل السوري" بأداء فريضة الحج نيابة عن عدد من الشهداء السوريين، وهو ما ترك أثرا طيبا في نفوس أمهاتهم وذويهم، إلى درجة إجهاش أم أحد الشهداء بالبكاء غبطة وفرحا، بعد أن علمت بأداء هؤلاء الشباب الحج نيابة عن ابنها ـ بحسب الخبر الذي أوردته مصادر هذه التنسيقيات. كما أن الفرحة موصولة لمكرمة خادم الحرمين بتسيير قافلة من حجاج عائلات الشهداء والأسرى، من فلسطين المحتلة وهو ما كان بمثابة بلسم لقلوبهم وسعادة لنفوسهم بأداء فريضة إسلامية والقيام بسياحة إيمانية روحية إلى الديار المقدسة لطالما هيجت أفئدة المؤمنين كلما حلت ذكراها. وعودا على بدء كان يفترض بالعيد أن يكون موسما للتراحم والصفاء والتكافل ونبذ العنف والتفرقة وإدخال السرور على قلوب المسلمين لكنه لا يزال في الشام واليمن مناسبة حزينة أليمة بسبب عنف الأنظمة ودمويتها وسقوط الضحايا وعدم نزول الحكام على مطالب الشعوب المشروعة والمنتفضة منذ عدة شهور.. لذا لا يسعني إلا أن أردد مع أبي الطيب المتنبي قوله: عيد بأية حال عدت يا عيد!!... والله حسب هاتين الثورتين وهو نعم المولى ونعم النصير.