27 أكتوبر 2025
تسجيلليس للتأثير الإعلامي المطلوب أن يُستوفى بتوليفة من مادة وشاشة وشخص يتناولهما كما قد يعتقد الكثيرون استسهالاً، إنما هو تأثير يتحقق بمنطق يدرس أبنية الكلمات، وفلسفة تستحث مهارات مراقبة الواقع وتحليله، ومنهج يستدل بالمعلومة وفق معطيات مسبقة. كان هذا المفهوم العبقري مادة الورشة التدريبية التي نظمها مركز قطر للصحافة الأسبوع الماضي، بالتعاون مع المؤسسة القطرية للإعلام، وبحضور كريم من أصحاب الاختصاص، وبتقديم فذّ من الخبير الإعلامي والمستشار الإستراتيجي د. عبد الله جودت، والذي له باع طويل في تقديم الخدمات الاستشارية والدورات التدريبية وإدارة المؤسسات الإعلامية، فضلاً عن مشاركاته في المؤتمرات والملتقيات العربية والإقليمية، وقد حصد في هذا العديد من الجوائز العالمية.. وهو الذي استهل حديثه بتعريف عام للإعلام كـ «محاولة إحداث أثر». فمع الإسهام الفعّال من المشاركين الذين أثروا مادة الورشة، سواء عن طريق طرح الآراء والمشاركة في الاستبيانات الإلكترونية والتعاون في إنجاز بعض التمارين العملية، إضافة إلى الألغاز التي كان (يستفز) بها المحاضر المَلَكة المنطقية لعقولهم في نهاية كل يوم.. فقد جاءت مادة الورشة ثرية بما يكفي لتعزيز فلسفة التأثير الإعلامي، وللاطلاع على أنواعه ومجالاته ونظرياته وأدوات قياسه وإستراتيجيات تعظيمه. فعلى مدى الأيام الأربعة، تم عرض المفاهيم الأساسية للتأثير الإعلامي من خلال (سباعية الاتصال)، وهي: (المرسل) هويته ومبادئه وأهدافه وصورته الذهنية لدى المستقبل. (المستقبل) خصائصه واحتياجاته واهتماماته ونظرته للمرسل وتوقعاته منه. (المضمون) مدى تميّزه عمّا سواه وتوافقه والأهداف المرسومة. (الوسيلة) تناسبها وهوية المرسل وقدرتها على حمل رسالته. (التشويش) مسبباته كفئة الخصوم أو الأصدقاء، وكيفيته تقنياً كان أو لغوياً أو عضوياً أو نفسياً. (التغذية الراجعة) مصدرها كعينة ممثلة للجمهور المستهدف، أدواتها من وسائل دقيقة وتقنيات موثوقة، طرق تحليلها بموضوعية أو بانطباعات شخصية، فحصها بعمق أم بسطحية، ومدى الحرص على تحديثها. أخيراً (التأثير) وهو (رأس السنام). قادت تلك السباعية لفهم أعمق للتأثير الذي جاء في التعريف التقليدي كـ «مجموعة التغيرات التي تحدث لدى الأفراد والمجموعات والمؤسسات والأنظمة والظروف الاجتماعية أو المادية أو السياسية، خلال مدة زمنية معينة». أما عن أنواعه، وبينما قسّمه ابن القيّم إلى أربعة في كتابه الفوائد من حيث مدة بقائه وسرعة حدوثه، كان أجودها (سريع الحصول/بطيء الزوال)، فقد قسّمه آخرون إلى: سطحي وعميق، مباشر وضمني، ومدى تأثير المخرجات وتأثير العوائد. وعن مجالاته، فقد تشعبّت إلى: تأثير معرفي، تأثير في القيم والقناعات، تأثير في الاتجاهات والانطباعات، تأثير في السلوك. وعند الحديث عن نظرياته، فقد مثّلت نظرية (الرصاصة القاتلة) الحملات الدعائية المكثفة، وجاءت نظرية (التأثير التراكمي) تتوخى العائد على المدى الطويل، بينما نظرية (الغرس الثقافي) تتدرج وتراقب، مع غيرها من النظريات. أما عن وسائل قياسه، فتنوعت، مثل: الاستبيانات، إطلاق الوسوم، الحوارات المفتوحة، الاستعانة بالمؤثرين، دراسات الرأي العام. غير أنه من أجل تعميقه، لابد من الخوض في مراحل تبدأ بالتخطيط العام يتبعه المرحلي يليه الإنتاج وما يلزمه من ترويج والحرص على انتشاره وتحقيق التفاعل والتأثير، وتنتهي بمرحلة التقويم والتطوير. ختاماً أقول: لا يخلو التأثير الإيجابي المرجو في كل نواحي الحياة من نية صادقة، فإنما هو نتاج لقول صادق أو عمل متقن، كما وصفه الخليفة علي بن أبي طالب فيما يُنسب له: «الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تتجاوز الآذان».. أو إنه هو الإخلاص الذي جاء معناه ضمناً في قوله ﷺ «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه».