12 سبتمبر 2025
تسجيلهي الحرب.. والحرب مثل الاقتصاد، تجري التجربة وفق أفضل الحسابات تصورا، فتكون جديدة كليا في حركاتها ونتائجها، ومن يدخل فيها لا يعرف كيف يخرج منها، إذ فرض الوقائع على الآخر – ما بالنا إذ الآخرون كثر - يتعامل مع رد فعل، لا يستطيع التحكم فيه.. الحرب مثل الأسواق، بطبيعتها تنتج وضعا جديدا في كل لحظة. وقد دخل بوتين الحرب في سوريا أو على شعب وثورة سوريا مختارا، حتى لو كان دافعه متعلقا بتراجع واندحار حلفائه من نظام بشار وإيران وميليشيا نصر الله، ولخوفه على مصالحه الاستعمارية في سوريا. كان بإمكانه أن يوازن بين الخسائر الراهنة والخسائر المستقبلية.دخل بوتين المأزق بقدميه، وإن لم يسارع بتغيير فكرته وخطته، أو إن لم يعلن بوضوح دخوله الحرب للوصول إلى حل سياسي يستبعد فيه الأسد، فمأزقه يتصاعد يوما بعد يوم، حتى أن بعض التقديرات تصل حد القول، إن روسيا (الاتحاد الروسي) ستشهد تفككا، كما أنتجت الحرب والعدوان على أفغانستان تفكك الاتحاد السوفييتي السابق. وأن بوتين سيأخذ إيران في طريقه إلى حتفها وإن بعد حين، وقد أشرنا في مقال سابق،إلى أن حل إشكاليات البرنامج النووي الإيراني ، لا يعني سوى الأسوا على إيران في الإقليم، وليس فقط الأسوأ على الإقليم من جنون إيران.والآخرون لن يحتاجوا إعلان الحرب على روسيا، بل يستنزفون بوتين قطرة قطرة. ولن يجيشوا الجيوش لمواجهته عسكريا ، بل سيعلنون مواقف ويجرون تحركات سياسية وإعلامية لإلهاب مشاعر من انتظروا لحظة وقوع بوتين في هذا الخطأ الإستراتيجي ليحاسبوه على ما اقترفه في الشيشان وأوكرانيا وجورجيا، وتلك هي حالة الخطر التي راهن بوتين على عدم الوصول إليها، إذ تصور- مثله مثل كل الطغاة والمستعمرين -إن قوته العسكرية ستحسم الأمر لصالحه في وقت قصير.وبوتين يبدو قد تصور حرج المسافة بين قواته وحلف الأطلنطي، فقرر المراهنة على إستراتيجية حافة الهاوية، لكن الحسابات التي أجراها بوتين ونجحت من قبل في احتلاله وتقسيمه جورجيا وأوكرانيا لا تصلح هنا بل تجلب الكارثة على بلاده، والغرب دفع بلاده للانهيار من قبل دون أن يطلق عليها طلقة واحدة.لقد ظهرت بوادر المأزق، في البيان العربي الأمريكي الأوروبي. وها هي أفعال قواته تذهب حد الولوج في مأزق مع الأطلنطي بعدما اخترقت طائراته الأجواء التركية،غير أن الأخطر على بوتين هو ما سيقوم به ثوار سوريا أو ما سيواجهه على أيدي ثوار سوريا، وقد تمرسوا على قتال قوات بشار وميلشيات إيران والعراق ، وكادوا أن ينهوا أزمة الثورة مرتين على الأقل.لقد غير بوتين قواعد الحركة الإستراتيجية في الإقليم، بوصول قوته العسكرية وفرد عضلاتها في الإقليم. وهو قال عمليا إن أمريكا شيدت قواعد في العراق وأن روسيا تدشن قواعد لها الآن في سورية لتكون ندا في الشرق الأوسط. وهو لاشك سيقتل المزيد من أبناء الشعب السوري ، لكن وصول قواته، فتح مجالا للحركة لأطراف إقليمية ودولية في المنطقة.فالآن ستلعب الولايات المتحدة لتعويض خسائرها منذ شن العدوان على العراق وأفغانستان وحتى الآن، ستحاول الظهور بمظهر الرافض للاحتلال الروسي لسوريا والمساند للثورة السورية. ولاشك أن أوروبا ستلعب لعبتها هي الأخرى. ولم يعد لأحد أن يقلل من وزن تركيا بعد الآن، فبوتن وإن أراد حصارها من القرم شمالا إلى سوريا دنوبا، فتح لها بابا واسعا ليتعاون الغرب معها، ومن الآن يمكن القول كسبت تركيا وخسر بوتين، ستكسب عربيا وإسلاميا وأوروبيا وستضطر أمريكا لوقف مفاعيل لعبتها ضد أردوغان ، الذي بات في وضع يمكنه الآن من كسب الانتخابات القادمة. وبوتين فتح مساحة أعلى لقوات التحالف العربي لحسم المعركة في اليمن بوتائر أسرع مما كان جاريا من قبل، إذ الآلاعيب الأمريكية من جهة والإيرانية من جهة، تتنته الآن بفعل تدخل بوتين في روسيا وتشييده لحلف عسكري مع إيران.أمريكا بحاجة للخليج الآن، والحملة على الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة (واليمن في أولها) ستأخذ منحى أشد فعالية.بوتين فتح أبواب الجميع أمام بعضهم البعض، ليكونوا في مواجهته على الأرض السورية.