11 سبتمبر 2025
تسجيلمن سنن الله في خلقه أنه كلما احتضر نظام ما تجدد الحديث عن الخيارات البديلة حتى لا تتوقف عجلة النمو فتتحول مصائب النظام السابق إلى فوائد للأنظمة البديلة وهو أمر على المستوى الاقتصادي شاهدناه حين سيطرت الأنظمة الاقتصادية المتمثلة في النظامين الرأسمالي والاشتراكي وبعد مرور سبعة عقود من تطبيق الاشتراكية كان سقوطها خلال هذه الفترة الوجيزة ومعاناتها من نقاط ضعف كثيرة دليلا على عدم قدرتها على التطبيق فكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للرأسمالية حينها احتضرت الاشتراكية وبدأت الرأسمالية تدور في الفلك الاقتصادي العالمي منفردة متحصنة بسياسة العصا والجزرة والمتمثلة في: العصا (القوة العسكرية)، والجزرة (اقتصاد – سياسة – إعلام) وأساليب الاحتكار والعولمة ومنظمة التجارة العالمية كل ذلك بغية الديمومة وشيئا فشيئا بدأت الرأسمالية تتوسع وتزدهر وبوتيرة متسارعة وبالمقابل تتراجع نظم الاشتراكية وتتلاشى حتى بقيت بالكاد شبه معدومة أو أن الدول التي بقيت تدور في فلكها حولت أنظمتها بفعل الضغوط الاقتصادية إلى مزيج بين الاثنين وعلى ما يبدو فإنه لا يمنع حذر من قدر فمع وصول النشاط المالي العالمي إلى نحو 600 تريليون دولار لا يخضع منها لرقابة السلطات المصرفية والبنوك المركزية في العالم إلا 150 تريليون دولار فقط ؛ الأمر الذي وضع العالم أمام اقتصاد منفلت بصورة حادة خاصة في قطاع التمويل العقاري عن طريق الإقراض بلا ضوابط مما أدى إلى اندلاع الأزمة في هرم الرأسمالية وتفاقمها وتسربها لتشمل النظام الاقتصادي العالمي حينها بدأ الحديث عن الخيارات البديلة فكان اللافت للانتباه أن أزيد من 56 مؤسسة نقدية في أمريكا وأوروبا كانت هي الأقل تأثرا بالأزمة المالية إلى حد أن الأزمة لم تمسها بالأساس تعمل وفقا لنظام الصيرفة الإسلامية ومع تزايد حدة الأزمة وعدم نجاعة خطط الإنقاذ وظهور قوي على الساحة مثل الصين واليابان ودول في جنوب شرق آسيا وتجدد الحديث هنا وهناك عن عالم متعدد الأقطاب ازداد الحديث عن الاقتصاد الإسلامي نظرا لثبات خطواته وقدرته على النمو بسرعة مطردة ففي الوقت الذي تغوص دول الغرب داخل رواكد الرأسمالية لانتشال ما أمكن انتشاله جراء الإعصار المالي كان قطاع البنوك الإسلامية يعيش نموا سريعا بلغ معدله 15% سنويا على مستوى العالم، و20 % في بلدان منظمة المؤتمر الإسلامي في الفترة الأخيرة. والأغرب من ذلك أن حوالي 300 بنك إسلامي في العالم الآن تقدر أموالها بـ 700 مليار دولار. ومن المنتظر أن تصل قيمة أموالها إلى تريلون دولار في هذا العام 2013 م. مرد هذا إلى أن نقاط الضعف التي تسرب منها داء الأزمة وتفشت منها العدوى هي نقاط قوة بالنسبة للاقتصاد الإسلامي فكون النظام الرأسمالي يقوم على اليد الخفية الهادفة إلى الربح بأي وسيلة في المقام الأول كان الاقتصاد الإسلامي قد وضع لذلك ضوابط في السابق فالربا مثلا محرم بالنصوص القرآنية كما نهى الإسلام عن المتاجرة بالديون ووضع الفقه الإسلامي ضوابط لمن يريد الاستدانة وشيئا فشيئا شاع صيت الاقتصاد الإسلامي إلى درجة أنه يمكن أن يشكل مخرجا من الأزمة المالية فحسب توصيات لجنة الموازنة في مجلس الشيوخ الفرنسي ينبغي ضرورة الأخذ بنظام التمويل الإسلامي لتصويب أخطاء النظام المتبع ومع تزايد الحديث عن تجنب المنتجات المالية الإسلامية أساليب المضاربات وهو بالضبط ما يهدف إليه المشرعون في الحقبة الجديدة التي بدأنا بدخولها يزداد الحديث أيضا داخل مراكز القرار في الغرب عن مدى ثقة وقوة واستدامة النموذج المالي الإسلامي إلى درجة تلميح البعض أن المنتجات الإسلامية قد تقدم ملاذا آمنا في هذه المرحلة الحرجة الأمر الذي أهل النظام المالي الإسلامي إلى أن يصبح إحدى الوسائل للنظام المصرفي التقليدي بعد التداعيات التي عرفها النظام المالي العالمي إثر الأزمة المالية الأخيرة.لم تكن إصابة الرأسمالية بقدر المستوى الذي كانت عليه الاشتراكية إبان تدهورها ولا نضج المنظومة الإسلامية حاليا بقدر نضج الرأسمالية أيام تدهور الاشتراكية ولم تكن النظرية الإسلامية بالمتقبلة في الغرب الرأسمالي الجريح حتى ولو كانت أوساط غربية عدة ألمحت إلى إمكانية إيجاد آليات لدمج صيغ المعاملات الإسلامية ضمن النظام المالي الرأسمالي المعمول به حالياً وإذا كان البعض يرى أن الفرصة الآن سانحةٌ أكثر من أي وقت مضى لكي يقدم الاقتصاد الإسلامي نفسه للعالم كله، ويقدم صورةً مثاليةً يراها الناس واضحةً خاليةً من كل هذه المشكلات التي خلَّفتها الأنظمة الاقتصادية المختلفة فعلينا ألا ننسى أيضا مدى قدرة الغرب على ليونة المواقف عند الحاجة وكراهيته للغير خصوصا ما يمت للإسلام بصلة في الرخاء. وعلى القائمين على العمل المصرفي الإسلامي حاليا التأمل أكثر من التقدم خطوات إلى الغرب فواثق الخطوة في ظل الأزمات يمشي حذرا أكثر منه ملكا والزج بالاستثمارات الإسلامية في مستنقعات الرأسمالية الملوثة سيعرضها للخطر بحكم الارتداد المتوقع للأزمة وبحكم قدرة المختبرات الغربية على الغربلة فتأخذ الثمرة المبتغاة وتحجب المعلومة التي أريد إرسالها عن المرسلة إليه وبالتالي فما ينبغي التركيز عليه حاليا بالدرجة الأولى هو العالم الإسلامي فلو قارنا بين عدد المسلمين المتعاملين بالبنوك التقليدية والإسلامية لوجدنا الفارق مازال شاسعا لا لشيء سوى أن الدعاية الإعلامية للمصارف الإسلامية موجهة إلى الغرب أكثر منها إلى 1.3 مليار نسمة من المسلمين الأمر الذي يجعل الضالة التي ننشدها ربما تكون قد بقيت خلفنا. وبالدرجة الثانية فالتوجه للأسواق الناشئة في هذه الظرفية أيضا قد يكون أفضل في المستقبل فثمة خارطة اقتصادية جديدة قيد التشكل قد تكون للأسواق الناشئة فيها موطئ قدم وثمة مستقبل غامض يلف حول الاقتصادات الغربية الأمر الذي قد يؤدي إلى هرب حتى رأس المال الغربي بغية الاستقرار وبالتالي فترجل الاقتصاد الإسلامي إلى الأسواق الناشئة قد يضعه على أرضية صلبة تمكنه من الولوج في المستقبل إلى أسواق الغرب بقوة التجربة والمنافسة مما يعزز حصوله على نتائج مضمونة في المستقبل أكثر منها في الوقت الراهن.