13 سبتمبر 2025
تسجيلرغم النتائج السلبية التي خلّفها حصار "الأشقاء" لدولة قطر، ولعل أهمها النفسية والاجتماعية، فإن الحصار أوجد معادلات جديدة في حياة القطريين، لم يسبق أن عايشوها سابقًا. * فالحصار وحَّد كل القطريين، حتى الذين لديهم وجهات نظر فيما يتعلق بالشأن العام، تحت قيادة حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى، وبدا سمو الأمير قائدًا مُلهمًا لهم، وظهر ذلك في الأحاديث العامة، وفي وجوه الأطفال، وفي "الجداريات" التي انتشرت في كل أنحاء قطر، وأيضًا ظهر ذلك في كتابات الزملاء في الصحافة القطرية. * والحصار حرّك الطاقات المبدعة نحو التعبير عن حب الوطن، ورفض الحصار، والتمسك بالمبادئ التي أعلنها صاحب السمو الأمير في خطابه السامي، الذي جسّد الحالة القطرية: "وقد حقق مجتمعنا فيه نجاحًا باهرًا، إذ أثبتنا أنه ثمة أصول ومبادئ وأعراف نراعيها حتى في زمن الخلاف والصراع، وذلك أننا نحترم أنفسنا قبل كل شيء، وأدعو الجميع إلى الاستمرار على هذا النهج، وعدم الانزلاق إلى ما لا يليق بنا وبمبادئنا وقيمنا". وتلك إشارة واضحة لما بدر من " الأشقاء" في حالة فقدان البوصلة وغياب البصيرة. ولقد ألقى ذاك التوجه المشرق بظلاله على الإبداع لدى القطريين في مجال الشعر و "الكليبات التلفزيونية"، والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والفنون التشكيلية، وأيضًا في وسائل التواصل الاجتماعي. كما تفنن الملحنون والمطربون في تقديم "حب الوطن" بصورة راقية، تعبّر عما يجيش في قلوب القطريين ووقوفهم مع الحق ضد الجور في الظلم. * والحصار أوجد روحًا جديدة في نمط التفكير بالشأن العام، وسلامة وأمن دولة قطر. وأصبح حتى الشباب الغض يميّز ويتابع الأحداث بعد أن كان "يتلهى" بالألعاب أو الممارسات الشبابية، خصوصًا بعد أن وضع الشباب صورة "تميم المجد" على سياراتهم، وأصبح عليهم صون تلك الصورة، بممارسات عاقلة. وأعتقد بأن "جيل الصحار" سوف تكون له رؤى مستقبلية مختلفة عن الجيل السابق! وسيكون حاضرًا في الطروحات المحلية والحوارات الوطنية في دولة قطر. * والحصار ثبّتَ وجود دولة قطر على المستوى الدولي! صحيح عُرفت دولة قطر بإنتاج الغاز وبأعلى مستوى للرواتب، وكذلك الحياد الإيجابي والالتزام بالمواثيق الدولية، وأيضًا بالمنجزات الرياضية، الدورة الآسيوية، ومونديال 2022، إلا أن الحصار أضاف بُعدًا جديدًا لذلك الحضور، وأصبح الإعلاميون والمفكرون والباحثون الغربيون والأمريكان أكثر قربًا من الحالة القطرية، بل وأصبحت قطر حاضرة في البرامج التلفزيونية والمناقشات الأكاديمية في الغرب وأمريكا. ولو أرادت دولة ما كل هذا الحضور، لاحتاجت مليارات الدولارات، كما فعلت بعض دول الحصار عندما اتفقت مع وكالات إعلان وعلاقات عامة غربية وأمريكية بقصد الترويج لسياساتها ضد دولة قطر. * والحصار أكد تأييد دول العالم والمؤسسات الإعلامية والبحثية لدولة قطر، فيما يتعلق برفض المطالبة بإغلاق قناة الجزيرة، وتكميم الأفواه في المنطقة. وخير دليل على ذلك ما صدر عن المؤسسة الدولية "إفدي" خلال مؤتمرها في الدوحة قبل أسبوعين، ومعها المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والاتحاد الدولي للصحفيين والمعهد الدولي للصحافة واتحاد البث الأوروبي و هيومن رايتس ووتش، وذلك برفضهم الحصار المفروض على دولة قطر، وقمع حرية التعبير، وإغلاق قناة الجزيرة، الذي كان ضمن المطالب الثلاثة عشر التي أصدرتها دول الحصار الأربع ضد دولة قطر. كما أكد الدكتور فرانسوا ديروشيه عضو بعثة المراقبة الدولية "إفدي" لحقوق الإنسان بأن "قطر انتصرت على الحصار بصمود شعبها، وأن دول الحصار تحرق بيوتها بأنفسهم، وعليهم العودة عن إجراءاتهم ضد قطر، قبل أن تشكّل الأزمة نهايتهم على يد شعوبهم".، وتساءل: "إن دولًا لا تحترم حقوق الإنسان والحريات كيف تدّعي مكافحة الإرهاب؟". كم من الجهد والوقت والمال يمكن أن نحتاجه للفوز بمثل هذه الوقفات الدولية والإنسانية التي تحققت وساندت موقف دولة قطر من قضية الحصار؟ توجد سلبيات للحصار، لعل أهمها ما مسَّ حياة المواطنين في قطر وفي دول الحصار، خصوصًا المستثمرين والذين لهم أملاك وعائلات في دول الحصار. وهناك لجنة للتعويضات تابعة للجنة الوطنية لحقوق الإنسان ترصد كل الأضرار التي لحقت بالمواطنين جراء الحصار. ولكن الإيجابيات أكثر وضوحًا، وأكبر أهمية بالنسبة للإنسان القطري، الذي أثبت بجدارة حبه لوطنه وقيادته، وأصبح أكثر وعيًا في كشف الأكاذيب والافتراءات التي ملأت سماء الخليج من الفضائيات والصحف في دول الحصار. نحن لا نزال نطالب بأن يحل العقل محل الشطط والغلو في الحصار، وأن تدرك القيادات في دول الحصار أن النيران إن اندلعت في نقطة في الخليج فلسوف تطال كل البلدان، ولا نعتقد بأننا في حاجة إلى "ربيع عربي"، لأن مثل هذا الربيع أوردَ الشعوب العربية موارد الدمار والتخلف، وهَجّر مواطنين كرماء أعزاء في بلدانهم إلى منافي الشتات والغربة. كما أن أي ربيع سوف يقلب الكراسي! ولا نزال ندعو إلى أن يُدلي عقلاء المنطقة برؤاهم حول هذه القضية، في الوقت الذي لا نرتضي لأشقائنا في الإمارات والبحرين والسعودية أن يحلَّ بهم ما حل في إخواننا في سوريا ومصر وليبيا واليمن. بل نتمنى لهم حياة آمنة مستقرة، وأن يتفرغوا لتعليم أبنائهم وبناء المعاهد والجامعات، بدلًا من تنظيم المناورات وشراء الأسلحة، وأن يوفروا لأبنائهم المسكن اللائق والحياة الكريمة، وأن يُعوّدوا أولادهم على حب الخير والتسامح وقبول الآخر.