26 أكتوبر 2025

تسجيل

استنهضوا العقول

09 أغسطس 2016

أسوأ شعور من الممكن أن يعاني منه الإنسان في حياته أن يكتشف بعد سنوات عمره أنه ظلم نفسه وأنه لم يعطها حقها، وأنه عاش سنين حياته ليرتاح غيره وينجح غيره ويسعد غيره ومن ثم يشاهد ذلك الجحود يتقطر من تلك الوجوه التي تلذذت في سنوات عمرها بعرق عملنا وجهدنا وكفاحنا، سواء كان هؤلاء قريبين أم بعيدين. إن الجحود هو المختطف الخفي لنفوسنا الطيبة، بل هناك من هم مختصون في خطف حياة الناس من صحة وعمر وجهد ويبنون أمجادهم عليها. هؤلاء هم مختطفو النفوس الطيبة، هم الانتهازيون الذي تُعلِّمنا الحياة أنهم مهما خطفوا ومهما جحدوا فهم أصحاب ربح قصير الأجل لا يطول لأنهم خرجوا من حياة العطاء والإحسان والحب والإيثار والتواضع. إن هذه الحياة لا تقوم على "الأنا"، بل قامت على حاجة الناس لبعضهم، كل منهم يقوم على الآخر، بل إن خير الخلق هم أنفعهم للخلق وذلك قوام المجتمع السليم المتماسك، فبذرة الجحود في قلوبنا تولد الكره وتقتل الإحسان وتحارب الكرم، وتلك الفضائل هي أساس المجتمع ولبنة صالحة للفرد علينا أن نغرسها في نفوسنا ونفوس أبنائنا ومن هم حولنا. للأسف إن داء الجحود بدأ يتسلل في عمق مجتمعنا ويفسد الكثير من أخلاقنا وعاداتنا وبدأ يدب في داخل البيت الواحد بأشكال متعددة حتى وصل الجحود للأب والأم وبين الزوج وزوجته، بل ووصل ليكون بين الفرد ووطنه. والجميع اليوم مطالب بمحاربة هذا الداء بكل أشكاله فهو سبب في الكثير من المشكلات الاجتماعية التي نعاني منها بل قد يكون هو السبب المشترك في كل المشكلات. إن القيم السليمة هي الأساس الذي يقوم عليه الفرد والمجتمع، وعندما تتغير القيم فإن العادات تتغير والأخلاق تتغير والثقافة تتبدل، فنصبح لا نعرف أنفسنا ونفتقد مجتمعنا ونعيش الغربة في داخل البيت الواحد، بل البعض قد يصل لأن يعيش الغربة مع نفسه لأنه فقد القيم الصحيحة التي فُطر الناس عليها وهي قانون حياة عندما يختل تختل الحياة بكل مكوناتها وتتغير المفاهيم، بل وتختل معه العقيدة ويضيع بضياعه الدين فنفقد هويتنا وتاريخنا وثقافتنا وحينها سنفقد الحياة بما فيها. نحن اليوم وفي ظل التطور الكبير والمتسارع في كل شيء، علينا أن نعيد التفكير في آليات التربية وغرس القيم وأن نحمي أجيالنا، التي هي نواة مجتمعنا ونور مستقبلنا وعماد قوتنا، من أن تصبح دمى يلعب بها بتقنيات التطور والتي أصبحت هوسًا يغزونا كل يوم بأشكال وطرق ومتعددة. وعلى جامعاتنا أن تستنهض عقولها لتحمي مستقبلنا من هذا الداء الخطير. وعلى إعلامنا أن يتعقل ولا يطبل لكل جديد ظاهره لهو وباطنه غزو لا نعي اليوم خطورته. فوجود التقنيات الحديثة يجعل من السهل الوصول لكل فرد ولجميع الأعمار بأشكال وطرق متعددة.