16 سبتمبر 2025
تسجيلفي سابق مقال، ذكرتُ أننا نعيش فوضى التأليف، نظراً لغياب جهات التصنيف. ذلك أن بعض الذين يُصدرون كتباً على حسابهم الخاص، لا يخضع إنتاجهم للقراءة، هم لا يعلمون أنهم لا يفرقون بين الرواية والقصة القصيرة، ولا بين المذكرات الشخصية والرسائل العاطفية وبين الرواية. ولا بين التصوير الفوتوغرافي لحياة أسرهم وبين الرواية. ويطبعون تلك المواد ويوسمونها بأنها رواية.. كما أنه لا توجد جهة تحدد تلك التصنيفات المعروفة في العالم . إذ أن إدارة المطبوعات التي تفسح تلك الكتب أو تعطي الإذن بطباعتها، ليس من ضمن اختصاصاتها – كما ذكر لي أحد المسؤولين فيها – أن تقوم بالتصنيف، لأن مهامها تنحصر في ألا يخرج النص على الشروط الخاصة بقانون المطبوعات، وهي شروط معروفة كنت قد ذكرتها تحت اسم ( المثلث الأحمر). وماعدا ذلك فلا دخل للإدارة فيه. كما أن المطابع مؤسسات تجارية وتعتمد الرقم الدولي الذي يحصل عليه صاحب النص. لذا شهدنا خلال السنوات الخمس الماضية "فوضى" في نشر الكتب وفي توصيفها . وبمناسبة إعلان إدارة البحوث والدراسات الثقافية بوزارة الثقافة والفنون والتراث أنها بصدد إصدار الطبعة الثانية من دليل المؤلفين القطريين، وسيكون ذلك وثيقة رسمية معتمدة، فإن الأمر يتطلب تدخل الإدارة الموقرة واضطلاعها بمهمة التصنيف المطلوب، حتى لا تظهر تلك الفوضى في دليل رسمي. وبهذا يمكن وقف "الفوضى" التي لا تخدم مسيرة الثقافة في قطر. ولقد لاحظنا بعد قراءة جميع ما صدر محلياً من كتب، أسماها أصحابها بأنها (روايات)، وهي ليست كذلك، هذه الملاحظات : 1-هناك بعض الكتب التي صدرت لم تقترب من الفن الروائي. وكانت عبارة عن ذكريات أو مذكرات شخصية عن رحلة فتاة مع أختها لهذا البلد أو ذاك، دون أن يكون في العمل أية آليات واشتراطات الرواية، مثل: الحدث، الحبكة، الشخصيات، الزمان، المكان، الحل. فنلاحظ أن العمل ينتهي، والحوادث المتشعبة والأسماء المتعددة لصور الحياة اليومية، من شرب القهوة حتى النوم، دونما رابط أو مبرر أو اقتراب من الفن الروائي.. . 2 - هنالك بعض الكتب التي صدرت وسميت (روايات) عبارة عن تصوير فوتوغرافي لحياة عائلة وتنقلها من مكان لآخر، مع تطور الحياة في قطر، دون أن يكون بين أحداثها رابط ، وحالات زواج تصل إلى 8 حالات، وحالات طلاق 4 حالات، بكلمات مكرره، وتشعبات غير مترابطة، لا تصب في رافد الرواية. لتنتهي الرواية دون حل، لأنه لا توجد فيها عقدة من الأساس.. 3 - وهنالك إصدارات اعتمدت على تغريدات أو مذكرات سيدة رُبطت بكلمة تكرر أكثر من 76 مرة في النص، ولكأن الكاتبة تريد توضيح موقفها من تلك الكلمة دونما اعتبار للرابط الرئيسي للرواية ومناخها العام، وتطور شخصياتها، أو وجود الزمان والمكان فيها، وكانت رسالة مباشرة وموقف محدد من الكاتبة من قضية واحدة. وللأسف فإن بعض من كتبوا مثل هذه الكتابات أعلنوا أنهم لم يسبق لهم أن قرأوا رواية واحدة في حياتهم ؟. وهذا يُدلل على عدم نضح التجربة وتواضها. وعدم معرفة الكاتب أو اطلاعه على فن الرواية النبيل. 4 - وهنالك إصدارات حملت عناوين مثيرة. أُلصقت بالفتاة وبالبلد، بحيث ينجذب إليها القارئ،على أنه سوف يقرأ أسراراً عظيمة وخفية ومثيرة، ولكنه يُصاب بالإحباط، كون النص يتضمن سيرة رحلة الكاتبة إلى بلد معين، واطلاعها على الأماكن التي زارتها، وعودتها إلى بلادها. بعيداً عن جمال الروي أو الالتزامات الفنية للرواية. ولقد لجأت بعض دور النشر – طمعاً للربح – في اختيار العناوين "المثيرة" لنصوص جد متواضعة، فقط لأنها رُبطت بالفتاة أو بالبلد... 5 - وهنالك إصدارات وعظية، حتى لا تقترب من القصة القصيرة. ولقد قرأت أربعة من هذه النماذج. ليس بينها وبين الرواية أي رابط . بل إن جُمل تلك الإصدارات غير مترابطة، ولا تجمعها حكاية واحدة، ويحشر الكاتب فيها آيات من القرآن الكريم أو الحديث الشريف ودنما مناسبة، وجود مبالغة واضحة في الوعظ ، واختيار لغة بلاغة وبديع مكرر وفي غير مكانه وبدون مناسبة. ونلاحظ الغلو في استخدام تلك الصور بلا مناسبة ولا رابط أو تبرير، ونحن نعلم أن الفن الروائي يعتمد التبرير، ولا يمكن ترك أي شخصية أو حدث عائمين في النص.. . 6 - ونقرأ مطبوعات عبارة عن سيناريو تلفزيوني، قيل عنها أنها روايات في وسائل الإعلام الرسمي. وهي أعمال غير ناضجة. كما أن أعمار من تصدى لتلك الأعمال لم تصل إلى 30 عاماً. والرواية تحتاج إلى خبرة تقنية وثقافية.. 7 - أما أغرب أنواع المطبوعات، مطبوع لكاتبة اعتقدُ أنها لم تتعد العشرين ، تم تصنيف عملها بأنه رواية، وهو عبارة عن مذكرات شابة، أين ذهبت، كيف أكلت، وأين جاءت. وقد غاب الترابط بين فقرات المطبوع. واحتوى على "براءة" طفولية واضحة. وكانت الأخطاء النحوية في كل صفحة من صفحات الكتاب الذي لم تفرق كاتبته بين همزة الوصل وهمزة القطع التي ترد في كل صفحة ، كما أنها لم تلتفت إلى إعراب ما بعد ( لم ) الجازمة، ولا إلى خبر كان الذي يأتي منصوباً، ولا إلى المثنى. بصراحة، نحن لسنا ضد تشجيع الشباب، وهذا حقهم. ولكن من غير المجدي أن يستمرهذا "الهدير" الجامح في طباعة كتب غير مستوفاة لاشتراطات الرواية، ويُعلن عنها بأنها روايات! نأمل من إدارة البحوث والدراسات الثقافية في وزارة الثقافة والفنون والتراث أن تقوم بــ "تنقية" المناخ الثقافي لدينا، بعد أن أصابنا السأم، وذلك بالإيعاز بقراءة تلك النصوص التي يوسمها أصحابها بأنها روايات، وبالتالي يضعونها في سيرهم الذاتية التي يشتمل عليها دليل الأدباء. لأن في هذا الإجراء خدمة لهؤلاء الشباب الذين لم يستفيدوا من خبرة من سبقوهم، ومازالت تجربتهم غير ناضجة، وهم يتسرعون الشهرة دونما اهتمام بوضع الأساسات الثابتة والمفيدة لأعمالهم. بل إن هؤلاء بالذات يغيبون عن الورش والندوات التي تتحدث عن الرواية ويعيشون في غرفهم المظلمة ولا يرون ماذا يجري في عالم الرواية.