11 سبتمبر 2025

تسجيل

اليهود بين الدراما والتاريخ (2)

09 أغسطس 2015

إتصل بى العديد من الأصدقاء والقراء معلقين على ما جاء فى مقالنا السابق تحت نفس هذا العنوان عن الخلط لدى الكثير من الناس بين العمل الفنى والتوثيقى .. أو بين الدراما والتاريخ .. وهو ما سنحاول أن نلقى عليه المزيد من الضوء فى مقالنا هذا .. حيث أن كاتب الدراما التاريخية يقدم عملا فنيا بالدرجة الأولى ولكنه مستقى من التاريخ .. بمعنى آخر أنه قائم على رؤية إبداعية يلعب فيها الخيال دورا رئيسيا إلى جانب الحقائق التاريخية . ولهؤلاء الأعزاء أقول أن هناك الكثير من الأعمال الدرامية امتد فيها الخيال إلى وقائع تاريخية ثابتة ولكن فيها أيضا تغيير وتبديل من المحتمل أن يثير عواصف من الغضب لدى من ينظرون إلى الأمر نظرة لا تميز بين الفن والعلم كما أسلفنا . ولهم أيضا أقول أن القصص التاريخية تلهم المبدعين أعمالا مختلفة وذلك بإستخلاص أو بالأحرى إستلهام شخصيات ومواقف ومن ثم إعادة تركيبها بأسلوبهم الخاص أو طريقتهم وفقا لرؤية كل منهم .. هذا طبعا بغض النظر عن مدى تطابق ما أبدعوه مع الحقائق التاريخية . كما كنا قد أوضحنا المعتقد الراسخ لدى اليهود فى أن المال هو الوطن الحقيقى وهو ما دفع معظمهم – إن لم يكن جميعهم – فى إمتهان ما يدر عليهم عائدا ماديا كبيرا وعظيما مثل إمتلاكهم للمتاجر العملاقة فى العواصم المختلفة وكبريات المدن .. إلى جانب إمتلاكهم للفنادق ومساهمتهم فى رؤوس أموال البنوك .. فضلا عن حرصهم على القوة الناعمة مثل الغناء والتمثيل والإخراج والإنتاج الفنى .. إلى جانب وسائل الرأى العام مثل الصحافة وغيرها .. على نحو ما أسلفناه فى مقالنا السابق . وعن مسلسل حارة اليهود الذى أشرنا إليه فهو من تأليف الكاتب الدرامى المتميز مدحت العدل عن ملامح التراث الثقافى الليبرالى فى الأربعينيات .. وكما تقول الدكتورة هالة مصطفى فى مقالها الرائع " حارة اليهود " بجريدة الأهرام أنه اتسم بالتنوع والثراء والتعددية بمعناها الأشمل الذى يتجاوز النطاق السياسى المباشر . وكما يقول كل من شاهد هذا المسلسل فإن الكاتب قد تأثر إلى حد كبير بكتابات نجيب محفوظ التى تجسد عبق التاريخ حيث تدور أحداثها فى الأحياء الشعبية فى وسط القاهرة القديمة .. ومن المعروف أن حارة اليهود حى شعبى يتبع حى الجمالية الذى أنشئ فى منتصف القرن التاسع عشر وهو تابع لمنطقة الموسكى الشهيرة.. وهذه الأحياء الشعبية – ومن ضمنها حارة اليهود بطبيعة الحال – تعتبر مرآة تعكس أسلوب الحياة المعيشية للطبقة المتوسطة وهم القطاع الأوسع للشعب والذى يتكون من الحرفيين والتجار أصحاب المحال المتوسطة إلى جانب صغار المُلاك .. فضلا عن المقاهى والتى تمثل جزءا لا يتجزأ من الحياة وتعكس كل ما يدور فى الحياة السياسية . وهذا المسلسل يرمز إلى التعايش بين مختلف الأديان من أصحاب الأديان الثلاثة فى تلك الحقبة التاريخية التى سبقت قيام إسرائيل مباشرة .. ولعل الكاتب نزع إلى أن يوضح لمن يشاهد المسلسل الفرق بين اليهودية كديانة وبين الموقف من دولة إسرائيل .. كما أنه – أى الكاتب – أراد أن يؤكد على أن اليهود كانوا فى ذلك الوقت جزءا من منظومة كبيرة استوعبت مواطنين " مصريين " من أصول أجنبية مثل الأرمن واليونانيين والإيطاليين والفرنسيين وغيرهم مما ساعد على المزج بين الثقافتين الشرقية والغربية وعن مدى التسامح الذى كان يلقاه اليهود فى شتى مناحى الحياة .. أما عن هجرتهم إلى إسرائيل فهذا شأن خاص بهم ولا علاقة له بظروف معيشية كانت سببا لمعاناة اليهود فى المجتمعات العربية .. وما يقال عن مصر فى هذا الصدد يُقال عن العراق والمغرب ولبنان وسوريا وكل الدول التى عاش فيها اليهود . وإلى موضوع جديد ومقال قادم بحول الله.