13 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن الأسرة هي نواة المجتمع والآلية التي تؤسس أجيالا قادمة إما أن تعمر أو تهدم قافلة التطور التي ترغب في تحقيقها كل المجتمعات، ويعتمد ذلك على مدى ضعف أو قوة تلك الأسرة من الداخل، ومدى تأثير النزاعات التي تنشأ بين أفرادها في صلابة الترابط اللازم فيها. والتعامل مع النزاعات ذات طبيعة أسرية يتطلب حلولا وطرقا مختلفة عن النزاعات الأخرى، نظرا لخصوصيتها وللأثر الذي تتركه على أفرادها خصوصا الأطفال. وإذا كانت محكمة الأسرة تختص في نظر الدعاوى المرفوعة إليها في مجال الأسرة خصوصا بين الأزواج والأقارب، فإن عرض النزاع على القضاء ليس حلا جذريا لإنهائه، بل أحيانا قد ينشأ عن ذلك نزاع آخر يزيد من الهوة بين أفراد الأسرة الواحدة. لذلك، كان من الضروري خلق قنوات تواصل جديدة ومؤسسات غير قضائية تهتم بالشأن الأسري، وتقوم بالدور اللازم للمساهمة في حل المنازعات والمشاكل التي تنشأ بين أفراد الأسرة لإعادة أواصر المودة والألفة بينهم، والتركيز على الأمور المشتركة التي تجمعهم، وتذليل الصعاب التي من شأنها أن تفرقهم. وإيمانا بهذا الطرح عمدت السياسة التشريعية في قطر سنة 2002 إلى تأسيس مركز الاستشارات العائلية [وفاق] باعتباره المركز الأول بالدولة المعني بالتوعية والإرشاد الأسريين، والذي يعمل منذ سنة 2013 تحت إطار المؤسسة القطرية للعمل الاجتماعي. ويعتبر مركز الاستشارات العائلية المؤسسة المعنية بالحفاظ على استقرار الأسرة القطرية، والمساهمة في تعزيز قوة الحياة الزوجية سواء بالمساهمة في الوقاية من المشاكل التي تقع بين الأزواج، أو إيجاد مقترحات حلول لها إذا استحكمت وأصبح تفريق شمل الأسرة هو المنفذ الوحيد. فالمركز ليس بمثابة محكمة للفصل بين النزاعات أو جهة تابعة لمحكمة الأسرة، فهو مؤسسة تختص باتخاذ كل ما من شأنه الإبقاء على الأسرة قائمة، ويمكن أن يلجأ إليه كل طرف يرى استحكام مشكل عائلي يخصه وخرجت عن سيطرته مسألة تسويته أو يخاف أن تخرج عن سيطرته إن استمر الوضع على حالته. يختص المركز في المتابعة الأسرية للوقاية من حدوث مشكلات مستقبلية، وذلك بنشر الوعي بأهمية الأسرة وتعزيز الروابط بين أفرادها سواء من خلال حملات دعم أو برامج أو دورات تكوينية خصوصا للمؤهلين والمقبلين على الزواج، أو الذين يرغبون في إعادة تأسيس أسرة، لمنحهم أملا جديدا في الحياة. كما يختص المركز بمساعدة القضاء في حل النزاعات الأسرية المعروضة عليه، وذلك من خلال عقد اجتماعات مع أفراد الأسرة من قبل مختصين ومعالجين ذوي كفاءة وخبرة تسمح بفهم طبيعة النزاع واقتراح الحل المناسب الذي ستكون آثاره على الأسرة مستقبلا أقل حدة، مع تقديم الاستشارات والنصح لهم، خصوصا بالنسبة لنزاعات الطلاق التي تتطلب تعاملا مختلفا، خصوصا عند وجود أطفال، بحيث يصبح الهدف الأساسي للمركز هو السعي نحو الدفاع عن مصالحهم منعا للآثار السلبية التي قد تصاحبهم خلال المراحل العمرية القادمة. وفي واقع الممارسة العملية، وفي حال وجود دعوى قضائية أسرية سواء تعلق الأمر بدعاوى الطلاق أو الحضانة أو الرؤية والمبيت يكون لمركز الاستشارات العائلية دور أساسي في تنوير قناعة المحكمة، من خلال التقارير التي تقدمها بناء على طلب الهيئة القضائية، بحيث يلعب ذلك التقرير دورا أساسيا في تحديد نتيجة الحكم، لأن المحكمة تأخذه بعين الاعتبار لما يتأكد لها أن ذلك التقرير تم إعداده بعد جلسات عديدة مع الأطراف وبعد فهم طبيعة النزاع عن قرب واطلاع من المختصين التابعين للمركز، وبناء على الآليات والوسائل المناسبة التي تم اعتمادها.