13 أكتوبر 2025

تسجيل

صدق الله وكذب المفسدون !

09 يوليو 2019

يعد العلامة محمد الطاهر بن عاشور أحد أعلام جامع الزيتونة الذي يُعتبر من أهم منارات الهدى والعلم في وطننا العربي والإسلامي، وقد أحدثت آراءُ الشيخ ابن عاشور نهضة كبيرة في علوم الشريعة والتفسير والتعليم والإصلاح وكان لها أثرها البالغ في استمرار جامع الزيتونة في العطاء والريادة. وقد جاء مولد الطاهر بن عاشور في عصر يموج بالدعوات الإصلاحية التجديدية التي تريد الخروج بالدين وعلومه من حيّز الجمود والتقليد إلى التجديد والإصلاح والخروج بتونس من مستنقع التخلف والاستعمار إلى ساحة التقدم والحرية والاستقلال ، وقد بدأ علماء جامع الزيتونة بإصلاح جامعهم من الناحية التعليمية قبل الجامع الأزهر في مصر مما أثار أعجاب العلماء المسلمين ومن أبرزهم آنذاك الإمام محمد عبده الذي قال : " إن مسلمي الزيتونة سبقونا إلى إصلاح التعليم ، حتى كان ما يجرون عليه في جامع الزيتونة خيراً مما عليه أهل الأزهر " . ولأن العلامة الطاهر بن عاشور من أعلام هذه المنارة العظيمة فقد أثّر كثيراً في نفوس مواطنيه التونسيين وأهل المغرب العربي وشمال أفريقيا مما أكسبه احتراماً وإجلالاً منقطع النظير ، ولعل من أبرز المحن التي مرّ بها الشيخ كان في عام 1961 عندما دعا الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي السابق العُمّال التونسيين إلى الفطر في رمضان بدعوى زيادة الإنتاج مدعياً أن الصوم عادة تحد من الطاقة وتُعرقل العمل والإنتاج ، فطلب من الشيخ ابن عاشور أن يُفتي في الإذاعة بما يتوافق مع رؤيته لكن الشيخ صرّح بما يريده الله عز وجل بعد أن قرأ الآية } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ { وقال بعدها : صدق الله وكذب بورقيبة !! وأنا أقرأ قصة محاولات بورقيبة المتأثر بعلمانية الغرب الذي ظن بأن أفكاره المنحلة ستجد طريقها لقلوب الشعب التونسي الشقيق ، والذي لا شك بأن الاستعمار كان له الأثر الكبير على الكثير من مناحي الحياة التي يعيشونها ، ولكن رغم كل هذه الظروف لم تجد دعوته لإفطار شريحة من فئات مجتمعه إلى القبول بل قوبلت بالرفض والاستهجان ، ربطت هذه الحادثة بما نراه الآن من مجون ودعوة للفساد والإفساد في بلاد الحرمين الشريفين التي جُبل أهلها منذ نشأتها على المحافظة على دينهم وعاداتهم وتقاليدهم الأصيلة التي ترفض كل صور التغريب والانحلال ، وكيف تحولت السعودية إلى بلد يشد الرحال إليه أهل الغناء والمجون والطرب والعري في ظاهرة كانت تعد من ضرب الخيال بأن تحدث في أرض طالما حافظت على أصالتها وصورتها المحافظة أمام عموم المسلمين لما تحمله من قيمة مهمة ورمز لوجود الحرمين الشريفين فيها . ولكن من المعيب أن نرى علماء بلاد الحرمين كالأصنام أمام هذا المنكر الذي يحدث في بلادهم بينما زُجّ بما كان يُعتقد بأنهم سيكونون عائقاً أمام مشروع محمد بن سلمان لتغيير صورة المملكة وعلمنتها والتخلص من مؤسستها الدينية وهيمنتها التي كانت في السابق!! فاصلة أخيرة كان الله في عون من يُخفي سخطه مما يراه ضرباً لدينه وعاداته وتقاليده ولسان حاله يقول : اللهم بدّل حالنا بأفضل من هذا الحال وأجرنا في مصيبتنا !! [email protected]