30 أكتوبر 2025
تسجيلالمتأمل في المناهج الدراسية المقررة في معظم البلدان العربية يلحظ إهمالا جسيما لاختيار نوعيات القصص المتضمنة في المقررات الدراسية، وكأن واضعي مناهجنا ومعلمينا لا يدركون أن القصة مصدر من مصادر الإثارة، بما تحمله من الجاذبية والتشويق لقرائها ومستمعيها من جميع الأعمار، فقارئ القصة أو المستمع إليها، ينغمس باهتمامه كله في أحداثها المتدرجة، ويحدث لديه نوع من التوحد يتنامى انفعاليا مع تطور أحداث هذه القصة لمعرفة نهاية أحداثها. لذلك يشدد التربويون على أهميتها التعليمية لكونها تعمل على استثارة رغبة المتعلم واهتمامه، وتجذبه إليها جذبا طبيعيا، وتشحذ الانتباه بالالتفات الواعي إلى حوادثها والمعارف التي تتضمنها، لذلك نجد الطفل الصغير يصغي باهتمام إلى والده أو والدته أو أي فرد آخر من أفراد العائلة يسرد حادثة رآها أو يقص قصة قرأها أو سمعها، وتراه من فرط شغفه بالأسلوب القصصي كثير الجلوس قريبا من الكبار حين يتحدثون في شؤونهم الخاصة ويتعرضون في أحاديثهم لبعض الأشخاص أو الأعمال غير العادية. كما تعمل القصة الجيدة على التصور الرائع، والوصف الدقيق لحركات الأجيال، ونوازع النفوس، والنقد اللاذع لأوضاع المجتمع، عبر حديث أبطالها – بأساليب منها الشائق ومنها الساخر ومنها الجاد - عن المشكلات السياسية والاجتماعية في المجتمع. وأكثر الكتابات التي تناولت القصة، أكدت أن القصص تحمل الكثير من القيم التربوية، وتوضح لنا أهم القضايا السائدة في المجتمع، والعوامل التي تؤثر في هذا المجتمع، لذلك فإن تحليل الراويات والقصص يعطينا خلفية كبيرة عن المجتمع ويعرفنا به، كذلك فهي تعمل على تنمية الشخصية والعمل على تكاملها، ونجد أنها تقوم أيضا بنقل التراث الثقافي. ولا يختلف اثنان من المعنيين بالتربية حول أن القصة بشكل عام كفن أدبي من حيث عرض الخبرة الإنسانية، وتجارب الحياة بصورة تساعد على تمثلها والاستمتاع بها وليس مجرد التعرف عليها، ولعل هذا أحد أقوى الأسباب التي تجعل الخبرة المكتسبة بواسطة القصة أكثر ثباتا وعمقا وتأثيرا في سلوك الأفراد. ويرى التربويون أن للقصة دورا مهما في مرحلة الرجولة والنضج في الإنسان، فهي ذات شأن كبير في التأثير والتهذيب والتربية وبث الفضائل والأخلاق الحميدة في النفوس، ذلك لأن الإنسان بطبيعته المدنية وعزوفه عن الوحدة والإخلاص يلتزمها ويهتدي بها في تعامله مع غيره، ولكن الفرد كثيرا ما يشذ عنها ويضل طريقة إليها، وهو حين يذكر بها ويوعظ بالرجوع إليها بطريق مباشر يعز عليه ذلك ويأبى إلا العناد والإصرار على ما هو عليه انتصارا لاستقلال نفسه، واستكبارا أن يخضع لغيره أو تلين قناته أمام من يذكرونه بضعفه. ويرى التربويون أن لها المقام الأول في تربية الناشئين وتعليمهم، فالطفل عند أول عهده بالمدرسة لا يعرف القراءة، لذلك كان من الواجب تعليمه وتربيته عن طريق القصة المسموعة، ففي سردها عليه واستماعه إليها كثير من ألوان المعرفة، والتهذيب والتربية، وهي من أنجح الوسائل التي يعتمد عليها في تعليمه اللغة وتمكينه منها، وعن طريق القصة يتعلم الطفل الكثير من المعارف، وآداب السلوك، وخصائص الأشياء وقوانين الطبيعة، والأساليب التي يتخذها لحل بعض العقد والمشكلات. كذلك نجد أن القصة تعمل نقل قضايا المجتمع، وتوضيحها إلى النشء الجديد بطريقة غير مباشرة، وكذلك تعمل على غرس القيم والعادات الحميدة في شخصية الفرد وتخليصه من القيم والعادات القبيحة المنبوذة، ومن هنا يتضح الدور التربوي للقصة وأهميتها بالنسبة للفرد والمجتمع. وفي القصة فكرة، وخيال، وتصوير، وحوادث، ولغة، ولكل عنصر من هذه العناصر أثره في تكوين عقلية الطفل، وتنمية فكره وخياله، وشحذ قدرته على التصوير، وتدريبه على ممارسة الحوار وترقية اللغة، والميول عند الطفل. لذلك تعمل القصص على تنمية شخصية الفرد من بداية نموه وكذلك فهي تصلح لجميع المراحل العمرية. والقصة بما تتضمن من حوادث، وما تحمل من مغزى، ويرى التربويون أن القصة تسوق إلى قارئها أو سامعها - مع التسلية والفكاهة- صفحة مليئة بما ينبغي أن يفعل، وسجلا حافلا بأنواع المسلك المفضل، والجميل فيها أن هذه الصفحة وذلك السجل لا يُقرَآن ولا يُسمَعَان فحسب، ولكنهما يتسريان إلى الحس دون استئذان بما لهما من صيغة الانجذاب والانعطاف نحو النفوس والالتصاق بها تأثيرا قويا ودفعا للقارئ أو السامع للتأمل في أعمال التفكير والمقارنة والتعديل. كما القصة تتمتع بعديد من مجالات النفع التربوي والتي يمكن إجمالها من خلال أدبيات التربية الحديثة فيما يلي: -1. القصة صالحة لكل المراحل، لأن الحياة مليئة بالقصص التي يتناقلها ويرويها الصغار والكبار ويرون فيها العبرة والعظة واستمداد العون في الحاضر والمستقبل.2. الاستماع واستشعار اللذة عند الوصول إلى حل العقدة في القصة، ولاشك أن المتعة بالشيء تعزا بالاهتمام به وتجذب الانتباه إليه وتفتح مجالات النفع فيه بما يساعد كل نجاح العملية التربوية. 3. يمكن تعليم الطلاب المواد العلمية والمهارات اللغوية وجوانب التذوق المختلفة، حيث إن القصة الجيدة هي التي ترتفع بالأسلوب، وبشكل غير مباشر، إذ تقدم لهم النماذج الصالحة، للاقتداء من خلال انتقاء المؤلف لكلماته وجمله وفقراته.4. سهولة الانتفاع بالحقائق العامية التي تتضمنها القصة؛ لأنه بفعل السحر القصصي يقبل التلميذ على الحقائق ويهتم بها ويتمثلها. وحينئذ يشغف باستخدامها فيما تشتمل عليه الحياة من مواقف تطبيقية لها.5. تهذب روحه وتربي ذوقه، وتقوم سلوكه، لما لها من التأثير عن طريق الإيحاء.6. تعمل القصة بما تملكه من عناصر تشويق، وجذب، وجمال، بالتوغل بالقارئ بين عوالم زاخرة، تشبع خيال الإنسان وتداعب ذكاءه. وتشحذ انتباهه، وتزيد تركيزه الواعي إلى عناصرها المختلفة (أحداثا وشخصيات وأفكارا وقيما.....إلخ). ولعل هذا ما يكمن وراء ولع الجمهور العام بالمسلسلات التلفزيونية التي تستقطب أكبر قطاع من المشاهدين.7. إشباع حاجة المتعلم في الوقوف على أسرار العالم، والتعرف على بعض ما يدور فيه من مشاكل، ذلك لأن القصة إذا أحسن اختيارها تنتزع حوادثها من البيئة التي يعيش فيها التلميذ، وتصور جانبا من حياة مجتمعه، بما فيه من قيم وعادات وتقاليد ومشاكل، وذلك كله يعمل على اتساع الدائرة الثقافية للتلاميذ وهو ما تؤكده العملية التربوية.8. تمتلك القصة قدرة على نقل التراث، وعرض تاريخ الأقدمين من خلال القصص التاريخية والشعبية، وما تشهده هذه القصة من تسجيل للوقائع والأحداث والبطولات.